عندما يسأل التلميذ معلمه!!

المعتصم البوسعيدي

في عالم بات يرصد كل شاردة وواردة، أصبح الهروب من الحقيقة صعبا جدا أو بالأحرى مستحيلا. وما بين عموم الناس وعِلية القوم علما وفقها ومنصبا وجاها غدتْ الفجوة ضيقة، ولا مجال للتسويف واستعراض فلسفة زائفة تتبخر مع أي نسمة هواء عابرة.

أقول تلك الديباجة لتكون مدخل الحديث عن عالم رياضتنا المحلية بين حقيقته ووهمه. وحتى ندخل ذلك العالم لنفترض أن الجمهور الرياضي في السلطنة تلاميذ في مدرسة واحدة يتكون كادرها التدريسي من المسؤولين عن الرياضة العمانية في المؤسسات الرسمية والاتحادات واللجان الرياضية المنتخبة والمعينة في آن ورؤساء الأندية، وقد تقرر عقد اجتماع شامل بين ذلك الكادر والتلاميذ للرد على استفساراتهم وأسئلتهم من مبدأ الشفافية ورصد الرأي والرأي الآخر بغية الحديث عن الواقع وعن المستقبل بعدما انطوت صفحة الماضي في غياهب "نحن أولاد اليوم"!!

لا أعتقد أنَّ الأسئلة ستكون صعبة؛ فهي معلومة ومتداولة بين الجميع وستخرج من التلاميذ بتلقائية ودهشة لما يحدث في الرياضة العمانية، وما ينتظرها من تحديات كبيرة تقودها مؤشرات لعدم استطاعتنا على تخطيها إلا بالكلام المعسول والمبررات المعلبة الجاهزة.

في قاعة الاجتماع سيسأل تلميذ في الصف الأول: أين البنية التحتية الحديثة القادرة على استضافة البطولات العالمية؟ وسيسأل التلميذ في الصف الثاني: لماذا بعد خمسين عاما من نهضة مباركة لم نستطع فيها منح عُماننا الغالية ميدالية أولمبية تقر بها عين السلطان والشعب؟! وتلميذ الصف الثالث سيسأل: لماذا يغيب الاستثمار الرياضي عن رياضتنا؟! وتلميذ الصف الرابع سيقول: أين الاهتمام بالرياضات الفردية وضخ الأموال فيها كحال كرة القدم؟ وتلميذ الصف الخامس سيردد: ما هو دور البرامج التي تشرف عليها وزارة الشؤون الرياضية في تطوير الرياضة العمانية على صعيد الإنجازات؟ وقد يختتم تلميذ الصف السادس بسؤال بريء: المدينة الرياضية في المصنعة هل ما زالت مدينة رياضية؟! وهنا سندخل في استراحة سريعة قبل الشروع في الفقرة الموالية.

لا شك أنَّ الإجابات سيستحضرها كل معلم؛ فهم مدركون لوضعنا المالي الصعب الذي يعد إجابة عن كل ما سبق، ما عدا البرامج التي سيتعرض تحقيقها المجتمع الصحي وشغل أوقات الفراغ، وبالزخم الإعلامي وصقل المواهب في كل المجالات. أما تأثيرها على إنجازات الرياضة العمانية، فهذا ليس دور الوزارة؛ فهناك اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية ولا يسمح -أصلا- للوزارة بالتدخل في عملهم؛ كون ذلك ممنوعا وفق الأنظمة والمشرع الدولي، وينتج عنه عقوبات قد تصل حد الإيقاف.

سيبدأ سقف الأسئلة يرتفع مع وعي الصفوف المتقدمة؛ فقد يسأل تلميذ الصف السابع: لماذا تدور الأسماء في كراسي مختلفة من الرياضات؟ وتلميذ الصف الثامن: كيف يمكن مقارنة تكاليف بناء مجمعاتنا الرياضية مع تكاليف الملاعب العالمية لتحقيق جودة أكبر؟ ويصل الدور لتلميذ الصف التاسع: متى يمكن أن نعترف أننا متأخرون عن الآخرين؟! يعقب عليه تلميذ الصف العاشر: هل نعترف -أيضا- بأننا أخفقنا فعلا؟ ويقف تلميذ الصف الحادي عشر ليسأل: هل رؤساء الأندية مدركين لأدوارهم؟ ولماذا التحجج بالواقع الصعب والمنافسة على كرسي الرئاسة؟ وتتوالى الأسئلة التي قد يكتفى بها لضيق الوقت ولمشاهدة عرض مرئي عن رفرفة العلم بالمحافل الدولية، ويكون الختام جميلا بتناول وجبة دسمة تُنسي الجميع هموم رياضتنا الآنية والقادمة!!

ما أجمل هذه المدرسة، ترسم لنا الأمل من نسج "الخيال" الذي نظل نطارده بالضحكات حتى نتخرج، بل ويلاحقنا لحين بدء دروس الحياة الفعلية، فنرى الحقيقة بدون ذاك الأمل، وقد نشيب قبل الشيب ونحن نبحث عن إجابات مقنعة، لنعيد شريط الذكريات ونردد بألم "ذهب الشباب فما له من عودة / وأتى المشيب فأين منه المهرب" ولا هروب من الحقيقة؛ فالتلميذ لا يزال يسأل والأسئلة كثيرة، والمعلم يرد دون إجابات شافية، وعيدكم مبارك!!