"بلومبرج": تغير أنماط الاستهلاك في سنغافورة يكشف الفجوة بين الفقراء والأغنياء

ترجمة– رنا عبد الحكيم

وصفت وكالة بلومبرج الإخبارية سنغافورة بأنها "مونت كارلو آسيا"، وملعب الأثرياء، حيث يوجد في المدينة العديد من مظاهر البزخ، مثل الكازينوهات وساحة سباق فورمولا 1، إلى جانب ثالث أعلى تواجد للأثرياء بعد موناكو وجنيف.

واعتبرت الوكالة سنغافورة بأنها ليست موطنا فقط للأغنياء الآسيويين، ولكن أيضًا على نحو متزايد لأصحاب المليارديرات من البرازيل وبريطانيا.

حتى الأثرياء في هونج كونج التي تشهد اضطرابات منذ أسابيع، بدأوا في العثور على مركز مالي بديل كخيارٍ أكثر أمانًا لأموالهم. غير أنه من المدهش خلال السنوات الخمس الماضية، أن معظم حوافز الإنفاق في سنغافورة جاءت من أولئك القابعين في قاع الهرم الاقتصادي، في حين أن المصرفيين القاطنين للمنازل المريحة، والنخبة الغنية اتسم سلوكهم الإنفاقي بالترشيد نسبياً.

وبحسب تقرير "بلومبرج"، فإن أنماط الاستهلاك تتأثر بالتيارات المناهضة للتكنولوجيا، والأذواق المتغيرة، والسياسات الحكومية، والنمو العالمي الهش، وأسعار الفائدة المنخفضة وطويلة الأجل. ولن تؤدي تحولات الإنفاق في سنغافورة إلى تشكيل المشهد المحلي للبيع بالتجزئة فحسب، بل ستثري النقاشات التي تدور حول قضايا متنوعة مثل الاضطرابات في هونج كونج، وكونها دخل أساسي عالمي كأداة لمواجهة عدم المساواة.

وبين عامي 2013 و2018، زاد عدد الأشخاص- الذين يعيشون في مساكن عامة مؤلفة من غرفة واحدة أو غرفتين- من إنفاقهم الشهري بنسبة 3.7٪ في المتوسط​​، في حين شهدت العائلات في الشقق الخاصة انخفاضا في إنفاقهم بنسبة 0.1٪. وتراجع إنفاق الأسر التي تعيش في ملكية خاصة بها- والتي أنفقت ما يقرب من 5٪ في المتوسط ​​كل عام بين 2008 و2013- إلى 0.2 ٪ فقط. وجاء تحليل الإنفاق حسب فئات الدخل، بدلاً من أنواع المساكن.

ونشرت النتائج الأسبوع الماضي ضمن دراسة كجزء من مسح نفقات الأسر الذي ينفذه مركز الإحصاء في سنغافورة، وهي دراسة مفصلة تجرى كل خمس سنوات. لكن لماذا يغط الأغنياء في سبات عميق فيما يخص الانفاق في سنغافورة، بينما تنفق الجماهير العادية دخلهم بجرأة؟

تغطي هذه الدراسة الحكومية فترة شهدت تضاعُف معدلات الاتصال بالإنترنت إلى 45٪ بين الأسر التي تعيش في أصغر الوحدات التي تقدمها هيئة الإسكان العامة. ولا عجب أن الإنفاق الكلي على عدد من الأغراض- مثل الكاميرات الرقمية وحتى شراء السيارات- قد انخفض. وظل الإنفاق على الملابس والأحذية بالإضافة إلى الترفيه في حالة ركود لمدة 10 سنوات. ومع تحسن جودة كاميرات الهاتف، فقد تراجعت الحاجة إلى الكاميرات الرقمية الاحترافية، خاصة في مدينة تكون فيها شهادة الاستحقاق الإلزامية لامتلاك سيارة أغلى من السيارة نفسها. وظهرت بدائل أرخص على الإنترنت للتسوق والترفيه. ومنذ وصول خدمات مثل Netflix وAmazon Prime، انخفضت أعداد المشتركين في التلفزيون المدفوع لشركة TelH StarHub Ltdعلى نحو ملحوظ.

ويرى تقرير بلومبرج أن إضفاء الطابع الديمقراطي على التكنولوجيا يناسب النمط العالمي.  ويتضح تأثير النمو العالمي البطيء وأسعار الفائدة المنخفضة، جليا في فجوة الاستهلاك. ففي عام 2008، أنفق كل فرد من أغنى 20٪ من الأسر 2171 دولارًا سنغافوريًا (1577 دولارًا أمريكيا)؛ وفي المقابل أنفق كل فرد في أفقر 20٪ من الأسر 574 دولارا سنغافوريا. وفي عام 2018، بلغ حجم الإنفاق 2945 دولارا سنغافوريا و942 دولارا سنغافوريا على التوالي؛ أي أن الفجوة ضاقت إلى 3- 1 بدلا من 4 إلى 1 تقريبًا.

ومع ذلك، تُظهر سنغافورة أيضًا كيفية مواجهة هذا "الركود العالمي"، وهو تراجع مستمر في الاقتصاد العالمي لا يستجيب للمال السهل.

وفي انتخابات عام 2011، أعرب الناخبون عن إحباطهم من قطارات مترو الأنفاق، وأنفقت الحكومة مليارات الدولارات لتحسين الشبكة ودعم خسائر التشغيل. وتحسن مؤشر الاعتمادية سبعة أضعاف منذ عام 2015، وينفق السكان الآن 2.6 نقطة مئوية من ميزانيتهم الشهرية على وسائل النقل مقارنة بعقد مضى. ويبدو أن المدخرات ابتعلتها زيادة تكاليف الإسكان، لكن هذا يتعلق إلى حد كبير بالمغتربين الذين يستأجرون السكن. ونظرًا لأن معظم السنغافوريين يمتلكون منازلهم، فإن القفزة في الإيجار المفترض للمنازل التي يشغلها مالكوها تعمل على تحسين ثرواتهم السكنية. ويعزز هذا الأمر خطوط المترو الجديدة القريبة من المكان الذي يعيشون فيه.

يمكن أن يكون للرسالة الأخرى الواردة من سنغافورة صدى أكبر على المستوى العالمي، حول كيفية معالجة التفاوت المتزايد في الدخل، وهي مشكلة شائعة تواجه البلدان المتقدمة. ويمكن لإعادة توجيه الضرائب التي يدفعها الأغنياء للفقراء في شكل إضافات للأجور، والإعانات المستهدفة، والقسائم وبعض النقود المجانية للإنفاق، أن تؤدي إلى نتائج أفضل.

واختتم التقرير قائلا إن التفاوت في الدخول بات أقل مما كان عليه قبل الأزمة المالية في 2008، مما يدل على مدى إمكانية إسهام السياسات المالية في مكافحة الركود العالمي على الرغم من عجز السياسات النقدية.

تعليق عبر الفيس بوك