جريمة بدية .. بأي ذنب قُتلت؟!

 

مسعود الحمداني

وقفتُ مصدومًا من هول الفاجعة وأنا أقرأ خبر جريمة بشعة ومُروعة ضحيتها خمسة من أسرة واحدة، ثلاثة عصافير صغيرة ووالديهما، قـُتلوا شر قتلة، ماتوا دون ذنب بطريقة وحشية، قـُتلوا في مجتمعٍ ظل يتنفس الأمان، ويتدثر بالأمن والسلام، إلى أن بدأ يفيق على جرائم لم تخطر في باله يومًا، ولم تدر في خلده حتى في أفلام الرعب والجريمة، ضحايا يمشون بيننا لم يموتوا بمرض، ولم يقضوا في حادث طريق، ولم يكونوا جزءًا من ثأر، ذهبوا إلى السماء بجريمة نكراء لم تعد غريبة على وطن صغير، أساسه الرحمة، ونتاجه الحب والوئام، على يد مجرمين يمشون بيننا يأكلون مما نأكل، ويلبسون مما نلبس، يتدثرون في ثوب الحمل، وفي دواخلهم ذئاب مسعورة، لا ترعى حق مسلم، ولا روحا بريئة، لا تكسرها نظرة طفل، ولا استغاثة أم، ولا دموع أب.

جرائم تخالف المألوف، وتُرعب الناس، وتُرهب المجتمع، أبطالها مجرمون إما مدمنو مخدرات، أو مرضى نفسيين أدمنوا مشاهدة أفلام العنف وألعاب القتل، وإما (قتلة بالفطرة) أتوا من مُجتمعات بعيدة لا يُرهبها قانون، ولا يردعها عقاب، وإما لدوافع شاذة كمن تتآمر على زوجها، أو تخطط لاغتيال أخيها أو أبيها، أو من يقتل صديقه بدافع الغيرة أو السرقة، وفي كل الأحيان يكون الضحايا أناس لم يخطر في بالهم يوماً ما سينتهي به مصيرهم، يعيشون حياتهم بكل هدوء، يخططون للمستقبل والحياة، ويوزعون الابتسامات، ويروون الحكايات، وهم لا يدرون من أي وجهة سيأتيهم سهم المنايا، والذي قد يأتي من قريب لا يُفارقهم، أو غريب لا يراهم إلا طرائد لشهوة القتل بغرض السرقة أو الانتقام، أو الحقد.

لعل جريمة بدية تدق ناقوس الخطر الجاثم على صدر هذا البلد، والذي مال كثيرا للوافد القادم من أحراش آسيا، أو أدغال أفريقيا، وأغلق عينيه عن جرائم يرتكبها البعض بدافع الرحمة والمسكنة، واعتقد الكثيرون أنَّ الفقير يساوي في معناه (اللطيف الذي يستحق الرحمة والصدقة)، وهو أبعد عن ذلك، فالفقير الباحث عن عمل شريف، يختلف عن ذاك الباحث عن المال بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، والقادم من بلاده لكي يعيث فسادا في الأرض، فالفقير لا يعني الخلوق، فهو ككل البشر لديه ميوله وغرائزه وسلوكه السويّ وغير السويّ، وكم من وجهٍ يبدو على صاحبه مسحة المسكنة وهو يضمر في داخله الشر، ويقدح من عينيه الشرر، وينتظر الفرصة للغدر.

لم تكن المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة أن يرتكب أفراد من عمالة وافدة معينة جريمة بشعة كالتي حدثت في ولاية بدية، ولن تتوقف مثل هذه المآسي لأنَّ مرتكبيها مجرمين غير أسوياء أتوا من بلدان فقيرة وبائسة؛ حيث القتل بدم بارد يعد مرادفا للرجولة، وحيث الجريمة ليست أمرا قذرا، وحيث الانتقام والثأر أمر قبلي اعتيادي.. أتت هذه العمالة الرديئة بكل مُرادفات مجتمعاتها لكي تبث سمومها في وريد هذا المجتمع الآمن، وتقوّض أمنه، وتنشر الجريمة في أوصاله.

عاثت مثل هذه العمالة فسادا في الأرض، وارتكبت أبشع الجرائم، وتآمرت على بعضها وعلى غيرها، فجرائم الخادمات لا تنقطع، وجرائم العمال في الأحياء السكنية لا تنتهي، ولعل المطّلع على إعلانات الهروب اليومية في الصحف يكتشف كم يعاني هذا الوطن من مثل هذه العاهات، فالهاربُ شخصٌ متمردٌ على قوانين البلد، وهو مشروعُ مجرم مع وقف التنفيذ، فهذا العامل يعيش عالة على المجتمع، ويكسر قوانينه وأعرافه، وأبشع ما في الأمر أنَّ مواطنا غير أمين على أرضه يقوم بالتستر عليه، وإيوائه، وإطعامه، وهو يدري أنه بذلك يتآمر على وطنه، ولكنه لا ينتبه إلى النتائج الوخيمة التي تنشأ عن ذلك الفعل الجسيم في حق بلده ومجتمعه وناسه.

أُدرك أنَّ التعميم خاطئ وغير منطقي، فليست العمالة الوافدة سواء في السلوك والأخلاق والالتزام بالقوانين، فمنهم الصالح، ومنهم الطالح، ومنهم بين ذلك، ولكنهم يشتركون في أنهم جميعًا يسعون للعمل، وأتوا من أجل كسب العيش، ومنهم من غرر بهم "الكفيل"، وصدمهم الواقع، فكانت ردود أفعالهم تجاه ذلك مُختلفة، منها ما اتسم بالعنف، ومنها ما اتَّسم بالصمت على مضض، ومنها من هرب وجال في البلاد، ومنهم من عاد أدراجه إلى موطنه، ولكن المسؤولية الأولى تقع على المواطن الذي استقدم عمالة رديئة وغير ماهرة ليسرحها في أرجاء الوطن، وتشكّل بذلك عبوات متفجرة خطيرة تنفجر في أي وقت.

لا تستطيع السلطنة أن تغلق أبوابها أمام العمالة الوافدة، ولا تستطيع الاستغناء عن الوافدين، ولكنها تستطيع اختيار البلدان الأقل جريمة، والدول التي يسود فيها القانون أكثر من سيادة القبيلة أو عقلية العنف، وأن تقنن استقدام فئات العمل، من خلال مكاتب عمل حقيقية يقع على عاتقها انتقاء واختبار العمالة التي يتم استيرادها، كما أن وجود شهادة (عدم محكومية) من الجهات المختصة في بلدان هذه العمالة أمر ضروري، وهناك الكثير من النقاط التي سأؤجل طرحها إلى مقال آخر، ولكن قبل كل شيء يبقى المواطن هو خط الدفاع الأول عن أمن وطنه، وسلامة مواطنيه.

رحم الله شهداء بدية، وألهم أهلهم الصبر والسلوان، ولا شك أنَّ العدل سيأخذ مجراه، وأن القصاص لن يطول، وليثق الجميع بأن عُمان من أقصاها إلى أقصاها ـ والتي فُجعت بهذه المصيبةـ ستظل كما كانت وما زالت قلبا واحدا، وجسدا لا ينفصل في السراء والضراء..وإنا لله وإنا إليه راجعون.