على سَفَرٍ


شعر: د. يوسف حطّيني | فلسطين

1 ـ يوم للسّماء:
غيمتي تصعدُ الآنَ فوقَ الغيومِ
تسافرُ صوبَ الكواكبِ
ترسلُ قُبلتَها الواعِدهْ
فتبعثُ في الأرضِ حزنَاً
بعرضِ المدَى الأرحبِ
ولكنَّ تلكَ السّماءَ السَّعيدةَ
تلبَسُ زينتَها جاهدَهْ
تُسَوِّرُ فرحتَها بالنُّجومِ
تمدّ لساناً شقيّاً وتهزأ بي
وتضحكُ ضحكةَ قلبٍ صَبي
أما كانَ يكفي حنينُ الضَّلوعِ
لكي تَسمعِي القلبَ يصرخُ:
لا تذهبي

2ـ يومٌ للعناق:
تمدّين شوقاً ذراعيكِ
للأهلِ والأمكنهْ
تضمّين للقلبِ باباً..
جداراً.. ونحلةَ شوقٍ
تمرّ صباحاً على سوسنهْ
وعصفورَ ذكرى تسلّقَ شُبّاك قلبِكِ
كي يسكنَهْ
تمدّينَ شوقاً ذراعيكِ للمستحيلِ
ليركضَ نحوكِ من فرحِ "الولدنهْ"
ذراعاكِ دفءُ جناحينِ
يستجمعانِ حنانَ الكمانِ
على شفةِ الأزمنهْ
فهلْ نسِيَا حينَ ذابَ الجمالُ
على شمعِ صدرٍ
تجاسرتُ أنْ أحضُنَهْ؟
وهلْ نسِيَا، في لهيبِ عِنَاقِ الأحبّة،
يا حُلْوَتي، زمنَ الشّيطنَهْ؟

3 ـ يوم للحديقة:
يحيطُ بك الأخضرُ
المتعربشُ فوقَ جدارِ المكانْ
تروحين حيناً
كظلّ يخطّ حكايةَ حبٍّ
على وجعِ السنديانْ
تجيئينَ.. تمشينَ
أو تجلسينَ على مقعدِ الخيزرانْ
تضيئين بالأزرق المتدفّق
جسراً أطلّ قصيدةَ عشقٍ
ترتّلُ عذبَ البيانْ
وأنتِ هناك.. وقلبي هنا
أو هناكَ
يطاردُ وعداً بوهمِ لقاءِ الحديقةِ
هل تذكرينَ؟؟
وهل سيعود الزمانْ؟

4 ـ يومٌ للقدَر:
ولا بدَّ من سَفرٍ
يشطرُ القلبَ، قلبَكِ، بينَ الأنينِ
وبينَ الحنينْ
ولا بدَّ من مَطَرٍ
يجعلُ الرُّوحَ، روحَكِ، نَهْراً
يحنُّ إلى موئل الأرزِ والياسمينْ
ولا بدَّ من بَشَرٍ
يملؤون فراغ الحكايةِ
بالذّكرياتِ التي أصبحتْ كاليقينْ
ولا بدَّ من سَقَرٍ
في ضلوع فتىً
حبّهُ مثلما تعلمينْ
ولا بدّ من قدَرٍ،
مثلما قُلْتِ ـ سيّدةَ النأيِ ـ
يفضي إلى أمنيات الدروبِ
وشهْدِ المشاويرِ
رغمَ انقضاءِ السنينْ
وإنْ كانَ لا بدَّ أيضاً
فلا بدَّ من عُمُرٍ
يُفرِحُ القلبَ..
يُنصِفُني من حبيبٍ ضنينْ
ويمنحُ ما تمنعينْ

5 ـ يومٌ للبحر:
تشدُّكِ ليلى إلى القلبِ شوقاً
تصيرين موجةَ بحرٍ
تحنّ إلى غمرةٍ من يديها
تُصلّين خاشعةً لطيورِ الحنينِ
ترفّ على مقلتيها
أحقّاً هِيَ البحرُ
كيف إذاً تذهبين إليهْ؟
وتنسينَ أمّكِ في دفترِ الشّعرِ
كي تذرفي الحرفَ طُهراً
على قدميهْ
وكيف إذاً تذهبين إليهْ؟
وفي البالِ وعدٌ بأن نتمشّى
على شاطئِ الرَّملِ
نهذي قليلاً
ويحكي عناقُ أصابعنا
ما لديهْ!!

6 ـ يوم للغيوم:
قرأتُ غيومَ الأصيلِ
تبوحُ بأسرارِها
رأيتُ اصفرارَ الغروبِ
يغنّي ويصبغُ في حذرٍ
ذيلَ آثارِها
تهجَّأتُ في حُزْنِها
فرحةَ الأرضِ
تقضي لذاذاتِ أوطارِها
ولكنَّ أرضيَ يا غيمتي البِكْرَ
ترنُو إليكِ
وتشكُو انكساراتِ أزهارِها
فعودي إليها
ولو قطرةً من وصَالٍ
تزلزلُ صحراءَ صدري..
وتوقظُ في جُثّتي
روحَ إعصارِها

7 ـ يوم للقهوة:
أنا لمْ أنمْ
كي أرى زائرَ الحُلمِ
يطوي المسافاتِ
بينَ المنافي وبينَ البلادْ
ولكنّني قد رأيتُ
بعينِ التمنّي
وما ثَمَّ معجزةٌ
فالليالي تخبّئُ جمرتَها
تحتَ صمتِ الرّمادْ
وكنتُ أرى حُلوتي
تحتسي قهوةَ الخَصْبِ
في حضنِ أحبابِها المتعبينَ
وتزرعُ نورَ المحبّةِ في كلِّ وادْ
وها أنا ذا أبحثُ الآنَ في قهوتي
ثم أصرخُ:
"بانَتْ سُعادْ"!!

8 ـ يوم للقمر:
على تلّةٍ من نزيف الجنوبِ.. هنا تسهرينْ
تضيئين ليلَكِ من قمرٍ
يجعلُ المجدَ ظلّاً لذاكرةِ المتعبينْ
وكوبٌ من الشّاي يملأ صدرَك بالشّوقِ
جمعٌ من الأقرباءِ يغنّونَ كي ينسجوا
من عيونِ المدى عودةً للزّمانِ الجميلْ
عشقتكَ يا قمراً يستضيءُ بهِ
ليلُ حيفا ويافا وليلُ الخليلْ
يطلُّ على وجعي هائماً
يا تُرى..
بعد يومينِ؟ شهرينِ؟ دهرينِ؟
نرجعُ.. نرقصُ.. نسهرُ
نشربُ كوباً من الشايْ
في دفْءِ حضنِ الجليلْ؟

9 ـ  يومٌ للجبل:
كما وقعُ أغنيةٍ
يَستظلُّ بدفْءِ الصَّدى المرِّ
تستدفئين بحضنِ أبيكِ
وتُلقينَ تلكَ الضفيرة في فرحٍ
فوقَ كِتْفٍ حزينْ
هوَ الجبلُ المتربّعُ فوقَ المدى الحرِّ
يَشربُ صبرَ النَّوى والأنينْ
غداً سوفَ ينخلعُ القلبُ من صدرِهِ
عندمَا تذهبينْ
أنا أعرفُ القهْرَ
عاينتُ حزنَ الجبالِ العنيدةِ
حين تغادرُها طيرُها في ظلامِ السّنينْ
سلينيَ عن جبلٍ حينَ ودعتُهُ
حينَ عشّشَ في الرَوح نَزْفي
سلينيَ عن جبلٍ حينَ عانقتُهُ
قبل عقدٍ ونصفِ
ليمضيَ، في عجلٍ، لقرارةِ حتفِ
سلينيَ عن جبلِ النّارِ
حينَ خلعتُ عليهِ الأمانيَّ
قبلَ عقودٍ كثيرهْ
لكِ الله!!
أين ستُلقينَ في الغدِ
تلكَ الضّفيرهْ؟؟

10 ـ يوم للعودة:
سأحلِقُ ذَقني..
أرشُّ كثيراً من العِطْرِ
أحتفلُ اليومَ بالعودةِ المشتهاةِ
مغمّسةً بلَظى حُرْقةٍ وانتظارْ
وسوف أمشّطُ شَعري
وأعرفُ أنّ أصابعَكِ المُثْقَلاتِ بشوقِ الفِرَاق
ستلهو بِهِ لحظةً
قبلَ أنْ ترتمي في ضُلوعي
حكايةَ نُورٍ ونارْ
إذاً
سوفَ أذهبُ في لهفةٍ للمطارْ
لأستقبلَ الضِّحكةَ الصّافيهْ
وأرنو إلى عسَلٍ يتدفّقُ
من طرفِ الخابيهْ
ولكنّني فجأةً
في ارتباكِ السّرورِ
تردّدتُ في لحظةٍ وانكسَرْتُ
على دمعةٍ غافِيَهْ
أنا لستُ أنسى..
ولكنّني قد نسيتُ بأنّا افترقْنا
وأنّا غريبينِ كُنّا
وأنّ هناكَ حبيباً
سيفرحُ، بالرّغم عنّي،
ويأكلُ من عِنَبِ الدّاليهْ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ...

 

 

تعليق عبر الفيس بوك