قصة قصيرة:

دراكولا


لميس الزين | سوريا

دبَّ الرّعب في قسماتِها وارتعشَ القلمُ في يدِها حينَ أجبتُها عن البند المُتعلّق بالمهنة. "هل أنت مجنون؟" صاحت، وهرعَت تجري مُتعثّرة. عادَت برفقة موظف آخر. قالَ: "نعم يا سيّدُ، ما المطلوب؟.
 أجبتُ:" أريد ملء استمارة التقدم للعمل".
- " وهل أنتَ مُدرِكٌ لما قلتَه بخصوصِ مؤهلاتِك ؟ فهذا مكانُ عملٍ، وليسَ ساحةً للتندُّر وإطلاق الدُّعابات".
"ليسَ في الأمرِ دُعابة ولا تهكُّم. أنا مصاصُ دماء". قلتها ممطوطةً ومتبوعةً بتكشيرة تظهر نابيَ البارزتين. تراجعَ إلى الخلف ومدَّ يدَه إلى الهاتف من دون أن يحوّلَ نظرَه عن وجهي. فقلت: " ليس هنالك ما تخشاه، فأنا نسخة مُعدَّلة جينيّا، مبرمَجٌ دماغيّاً لمصّ الدّماء تحتَ الطلب وبدافع الإنسانية . . فلابد للمرء من عمل الخير".
-    " ما شاء الله، أفرحتني والله".
-    " إذاً هل نكملُ ملءَ الاستمارة؟"
-    " أيُّ استمارةٍ يا مُتخلّف، إن كانَ من استمارةٍ تملؤُها، فهي لدخولك إلى المصح".
-    يا سيدي هو مجرَّد عمل. على سبيل المثال، ألم تسمع بمهنة قاتلٍ مأجور. هو لا يكره من يقتل، هو يقتله فقط، وإلا كيفَ يعيشُ؟ ولعلمكَ فأنا في الحالاتِ الإنسانيّة لا أتقاضى أجراً، الحياة ليست مادة بالمُطلَق، لابدَّ من عملِ الخير. أمس مثلاً طلبت مني امرأةٌ أن أمصَّ دمَ زوجِها النسونجي لئلا يتبقَّى في جيبه ما يقيمُ به أودَ مقصوفةِ رقبةٍ أخرى. والله لم أتقاضَ منها إلا كلفة الشفط وبالعملة المحلية، فلابدَّ من عملِ الخير.. هل يعقلُ أن أعاملَها مثلَ الوزير الذي طلبَ مني مصَّ دم الوزارة؟. . ولا تنسَ إنَّ مهنتَنا لا تخلو من متاعبَ. دخلتُ مرَّة المشفى بحالةِ إسعافٍ وغسيلٍ معدةٍ، تبيَّنَ أنَّ الزبونَ كانَ يعملُ بالسياسة. وهناك من يفهمونَنا خطأً. سيدةٌ طلبَت مني أن أشفطَ الدهونَ من مُؤخِّرتها الضّخمة. بالله هل أبدو لك كطبيبِ تجميل؟ لكنّي فعلتُها تشجيعاً للسياحة، فلابدَّ من عملِ الخير".
بدا الموظَّف أكثرَ تماسُكاً عمَّا كانَ عليه في بداية الحوار. ابتسمَ لي وطلبَ منّي الانتظار. وخلالَ دقائق وصلت سيارةٌ من المصحّ الوطنيّ.
 شهورٌ مضَت على تلكَ الحادثة، وها أنا، ما زلتُ أزورُ الموظَّف المسكين، في مشفى المجانين. ألم أقل لكم لابدَّ للإنسان من عمل الخير.

 

تعليق عبر الفيس بوك