اللقطة البحرينية واقتصاد الإبداع

 

عبيدلي العبيدلي

على نحو مُتزامن، وبشكل مستقل عن بعضهما البعض، ودون تنسيق مُسبق، تمَّ الإعلان في نيودلهي عن تقرير "مؤشر الابتكار العالمي 2019"،  من جانب، ونشرت على الويب، وتحديدا على موقع (https://www.ippawards.com/2019-winning-photographers/) أسماء الفائزين في "جائزة هاتف آيفون للتصوير الفوتوغرافي". وبالنسبة للتقرير المشار له أعلاه، فقد، وكما جاء فيه، "حافظت دولة الإمارات على صدارتها في المركز الأول عربياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019، وحققت تقدماً في الترتيب على تصنيفها العام على المؤشر بمقدار مرتبتين لتصبح في المركز 36 عالمياً". كما تبوأت المركز الثالث على منطقة شمال إفريقيا وغرب آسيا (Northern Africa and Western Asia). أما بالنسبة للجائزة، فقد جاء اسم المصورة البحرينية، التي تصف نفسها بأنها ما تزال هاوية، منى أحمد جمعان متصدرا الفائزين في فئة "الصورة الشخصية"، (portrait).

ولم يكن بوسع دولة الإمارات أن تُحقق ذلك لولا توفر الإرادة السياسية، مصحوبة بتعزيز دور مكونات اقتصاد الابتكار المفصلية، وهو ما أكده وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري، حين قال، في حوار مع جريدة "الاتحاد"، الإماراتية، لقد "أصبحت المعرفة المستندة إلى الإبداع والابتكار هي القيمة الرئيسة للمجتمع، وأداة أساسية للوصول إلى اقتصاد تنافسي، بما تولده من قيم اقتصادية كبيرة تسهم في إرساء كل الجهود التنموية، حيث تسعى كل الدول من خلال المعرفة إلى توسيع قاعدة الإنتاج وامتلاك المقومات اللازمة لزيادة تنافسية اقتصاداتها".

للوهلة الأولى قد يتساءل القارئ ما المُناسبة للربط بين الفعاليتين، وتحديدًا بين تقدم دولة الإمارات، وفوز منى جمعان؟ لكن منطق الاقتصاد المعرفي، والذي يصفه البعض بـ "اقتصاد الإبداع"، يفرض نفسه من جانب، والمنطقة الجغرافية للبلد، "الإمارات"، وصاحبة اللقطة "منى"، يلزم الربط بينهما، من جانب آخر، ليس لكون التصوير الفوتوغرافي سلوكاً إنسانياً مبدعًا فحسب، وإنما لكون الصورة، وشريط الفيديو، تحولا اليوم، بوصف كونهما دعامة من دعامات المحتوى الإلكتروني، إلى مرتكز رئيس من مرتكزات اقتصاد الابتكار. ومن ثمَّ، فاللقطة، تماماً كما المنتج أو الخدمة، يتحولان إلى مكون من مكونات اقتصاد الإبداع، عندما يولد أي منهما القيمة المضافة التي يتطلبها اقتصاد الإبداع، أو ما يطلق عليه البعض اقتصاد المعرفة.

العلاقة الإنتاجية بين توليد القيمة المضافة ودورها في ازدهار اقتصاد الابتكار، يشرحها مطولاً الباحثان عادل مجيد العادلي، وحسين وليد عباس في كتابهما المشترك "الاقتصاد في ظل التحولات المعرفية والتكنولوجية، حين يقولان، " إن إدارة المعرفة تشتمل على أنشطة ... من أجل توليد القيمة المضافة ... لتحديد استثمارات موجودات المعرفة المكتسبة والموجودة لخلق قسمة مضافة وتطوير فرص جديدة"، ص 89، وما بعد.

ويؤكد دور توليد القيمة المضافة في ازدهار اقتصاد الإبداع أيضاً، ما ورد في كتاب "الملكية وتوليد القيمة"، لمؤلفه رولف كارلسون، وترجمة نور الدين شيخ عبيد، "يعتمد اقتصاد السوق الرأسمالية على عدة ابتكارات اجتماعية رائعة .... وكذلك لدينا موارد توليد القيمة في المستقبل ... فيمكننا من ... زيادة مواردنا في توليد القيمة المستقبلي". ص 320، وما بعد.

وكما وضعت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) مقاييس صارمة ومحددة عند تعريفها لمؤشرات قياس درجة ومستوى ولوج أي اقتصاد دولة معينة في "اقتصاد الإبداع"،  كذلك وضعت اللجنة التي تحكم أعمال المُتسابقين المتقدمين لنيل جائزة "آيفون"، شروطًا صارمة قبل تأهيل اللقطات المُقدمة، التي توزعت على 18 فئة من بينها، التجريد، والحيوانات، والأفراد، والصور الشخصية   لعرضها على أعضاء اللجنة المحكمة (بكسر الكاف)، فقد حدد الاتحاد الدولي للاتصالات في مطبوعة له نشرت في العام 2018، حملت عنوان "مجموعة أدوات المهارات الرقمية"، جاء فيها، "تحتل المهارات الرقمية مكانها ضمن إطار أوسع، كثيراً ما يشار إليه باسم "مهارات القرن الحادي والعشرين". ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، تتكون مهارات القرن الحادي والعشرين من ثلاث "ركائز" وهي: المهارات الأساسية والكفاءات، والصفات الشخصية. وتعرف مهارات القرن الحادي والعشرين أحياناً باسم (المهارات اللينة).  إن المهارات الرقمية هي معرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تقع تحت الفئة الأساسية. وهذا يؤكد الأهمية الكبرى للصلة بين المهارات الرقمية والكفاءات الأخرى والصفات الشخصية - كل ذلك ضمن نظام شامل للتعلم مدى الحياة"، يقود في مجمله نحو التأسيس لاقتصاد الإبداع".

ولم تعد الصورة اليوم، في نطاق منظومة المحتوى الإلكتروني مجرد انطباع لما تلتقطه عدسة الكاميرا، فقد بات، كما تقول المصادر التي تضع التصوير الفوتوغرافي في منظومة الاقتصاد الإبداعي، "التكوين في الصورة الفوتوغرافية هو واحد من أهم أعمدة التصوير الفوتوغرافي ويقصد به ترتيب العناصر المختلفة المراد تصويرها داخل الكادر بطريقة يجتمع فيها التوازن البصري والتناسق في توزيع العناصر والإيفاع بما يترك لدى المتلقي انطباعا مؤثرًا وقوياً. التكوين الجيد للصورة له عدة قواعد مرنة يجب التَّعامل معها بما يبرز رؤية المصور الإبداعية ويدعم القيمة الجمالية للصورة"، كما، "إن قواعد التحكم بالكاميرا كثيرة وعالم التصوير الفوتوغرافي كبير، ولكن مع إتقاننا هذه الأساسيات نستطيع من خلالها توثيق الحدث بطريقة احترافية، ونقل الحقيقة من عدستنا إلى عين المشاهد دون ظلال أو كذب أو تشويه".

وكما أن الشيء بالشيء يذكر، وكما تجمع المصادر التي تتعقب تاريخ التصوير، وهو ما لا نستطيع الجزم به، "كان المسلمون هم أول من اخترع آلة الكاميرا وأكثرنا لا يعرف المعلومة أصلاً. كان الاختراع على يد العالم العربي المسلم الحسن بن الهيثم الذي اخترع الكاميرا البدائية في كتابه المناظر بين عامي (1015-1020) والتي كانت عبارة عن صندوق كبير به فتحة صغيرة تدخل إليها الصورة وتتثبت معكوسة على الجدران وأسماه القمرة".

وخلاصة القول، سواء عند فهم دور اللقطة في الاقتصاد المنطلق من مفهوم إبداعي، كما تجسده لقطة المصورة البحرينية منى جمعان أو الحرص على تنمية مكونات اقتصاد الإبداع، كما هو الحال في دولة الإمارات، آن الأوان كي نروج ما سبق أن أشار له الأستاذ محمد غانم الرميحي في كتابه "الخليج ليس نفطًا"، حين أكد على أن المواطن الخليجي هو "إنسان وأرض قبل النفط، وسيظل كذلك بعد النفط، والنفط في تاريخ الخليج العربي ما هو إلا مرحلة من المراحل التاريخية التي مرَّ ويمر بها هذا الجزء من الوطن العربي".

 

 

تعليق عبر الفيس بوك