الله لا يغيِّر علينا.. إلا للأحسن

غسان الشهابي

منذ وزراء إعلام القبائل المتمثلين في شعراء الزمن الماضي، من الجاهلي إلى قرب تكوُّن الدول الحديثة، وحتى "وزارة الدعاية السياسية" في عهد النازية، وحتى وزارة "الإرشاد القومي" في مصر ثورة 1952، ونحن على بعد يوم من الاحتفال بذكراها السابعة والستين، وصولاً إلى وزارات الإعلام كما هي الحال في أغلب الدول العربية، والإستراتيجية واحدة على وجه التقريب، وهي الرواية ذات البُعد الواحد للأحداث والتي تنتهي سرديّتها إلى أن هذه البلدان قد أدَّت ما عليها وأكثر من استحقاقات، ووفت ما عليها من عهود والتزامات، ومع ذلك فهناك ظلم بيِّن يقع عليها من القوى الخارجية.

وليس في هذا غرابة أن يقع، وقد تتعرض الدول والمجتمعات إلى مطامع وطموحات خارجية، وهناك دائماً من يسعى للتوسع والمغالبة واستغلال أي فراغ لملئه والاستفادة منه، واستثمار أي اضطراب في دول الجوار حتى يجد موطئ قدم، وحينها يصعب اقتلاع هذه القدم متى ما وجدت من يسعى إليها من الداخل.

ولكن ما على هذه الأجهزة -سواء كانت في الدول الغربية الأكثر انفتاحاً وذكاء، أو في دول العالم الثالث الأقل صبراً والأكثر عسفاً- في التعامل مع القضايا الشائكة، أن تثق تمام الثقة أنها ما عادت قادرة على التلاعب العام في عقول مواطنيها، لا بالدعايات المكثفة، ولا بالتجهيل، وقد حاولت أنظمة في لحظات من الترنح والضعف أن تحجب الإنترنت حتى لا يعلم الناس عمّا يجري في الخارج، فلم تكن أكثر من رصاصة رحمة تطلقها على نفسها؛ فلقد فاتها الكثير من التطور الذي توصلت إليه البشرية، ويعني أيضاً أنها لا تزال تعالج قضايا اليوم بأدوات الأول من أمس، وهذا ما يجعلها عرضة للسخرية من الداخل والانفضاض عنها بدلاً أن تكون هي الأجهزة التي يطل من خلالها المواطنون على الأحداث من خلال احترام عقولهم وما توصلوا إليه من معرفة ما عادت تنطلي عليها المعالجات القديمة.

تختلف علاقات الجماهير بأنظمتها على امتداد المعمورة؛ إذ دائماً ما يحدث التدافع الطبيعي للفوز بحياة أفضل، وليحظى القادمون بما يطالب به الحاليون لكي تستمر السنن الكونية، ويبقى الإعلام واحداً من أهم روافد هذا الفعل الذاهب إلى التغيير إلى الأحسن، وهذا لن يكون ما لم تحترم أجهزة الإعلام -رسمييها وأهليها، عامّها وخاصّها، المتحزّبة منها والمعبّرة عن مصالح مختلفة- عقل الإنسان وقدرته على التحليل والتمييز، وتتبادل المحاورة معه لخلق شراكة وطنية حقيقية وواضحة وصلبة.