7 نصائح قبل أن تصبح طالبًا بـ"كلية الإعلام"

عبد الوهاب شعبان | صحفي بجريدة الوفد المصرية

 

إلى هؤلاء الذين حزموا حقائبهم من القرى، والأقاليم، سعيًا لـ"كلية الإعلام" التي في خيالهم، وزحفًا مقدسًا للشهرة المرتقبة بفعل ذاكرة سينمائية، الرحلة لم تعد ترفيهية على الإطلاق..

 

(1)

معظم الأشياء من الخارج مبهرة، يخفت الانبهار رويدًا رويدًا، بقدر الاقتراب، ويزول تمامًا بالاحتكاك، تلك هي القاعدة الأهم.

رنّ جرس الهاتف مساء اليوم التالي لنتيجة الثانوية العامة، جاء صوت الفتاة الحائزة على مجموع 90% مرهقًا، قلقًا من ضياع حلم الالتحاق بـ"كلية الإعلام"، الإعلام بالنسبة لها هو ذاك البريق الذي لا ينطفيء عن العاملين به-هكذا تظن، والصحافة هي بوابة التحقق السريع، والأضواء التي تمنحها فرصًا محققة في الانتقال من حياة القرية "المغلقة"، إلى فسحة المدينة المتحررة، سألتني عن فرص ما بعد التخرج، فالتزمت الصمت، كررت سؤالها، فأخبرتها أن الصحافة باقية، كمهنة ضمير ناطق باسم المطحونين، ومنبر تنويري لصياغة مجتمع يؤسس للمنطق في كل شيء، قلت بثقة: سيحدث هذا إذا استوعب الجيل القادم الدرس جيدًا، هذا لأن أوباش المهنة لا محالة زائلون.

(إذا كنت قادمًا/ةً بـ"قاعدة" القفز السريع، والوصول بأي ثمن، فلا تكمل/ي- قراءة هذا المقال)

 

(2)

في السينما بدا "الصحفي" في ثلاثة نماذج، محجوب عبدالدايم- بطل فيلم "القاهرة 30"-ذلك الريفي البائس الذي امتهن "الخيانة"-وهو المصطلح الأكثر تهذيبًا-، وبنى مجده على أساس أن الأحمق من يرفض وظيفة غضباً لما يسمونه الكرامة، وكان له أسوة حسنة فى "الإخشيدى"، ذلك الذي ظفر بوظيفته لأنه خائن، ورقي لأنه قواد"، ثم نموذج آخر لـ"محفوظ عجب"، الذي كسب ود رئيس تحريره، أو ما يعرف بـ"الع***"، وأغوى زميلته الثرية بالحب، ثم بلغ عنها لأنها تمارس نشاطًا سياسيًا، ليواصل صعوده تباعًا، عبر وشايات دنئية، وثالثهم تراوح بين المناضل-مصورًا، أوصحفيًا، يعاني طوال الوقت من القهر، لصدامه مع السلطة، بسبب ضمير يقظ يحمله على ضرورة كشف الفاسدين، ضع/ي هذه النماذج كلها جانبًا، لا تلتفت إليها، لأن الواقع وإن كان محبطًا الآن، فإن ثمة أولويات هامة، لم يدركها المحبِطون، ولن يدركها بالضرورة المحبَطون، قادرة على بث الأمل القريب.

(قبل أن تصبح طالبًا بـ"كلية الإعلام"، قف على أدواتك، وحدد وجهتك، حتى لا تلتحق بطائفة "المولولين" من بؤس المهنة، واستحالة التحقق.)

 

(3)

(قبل خطوتك الأولى: اطمئن على موهبتك أولًا..)

سألت الفتاة، ماذا سأفعل إذا تخرجت من كلية الآداب "قسم إعلام"؟، أخبرتها أن ثمة طريقين معروفين الآن، إما الانضمام لقوافل المتدربين بالصحف، والمواقع الإليكترونية، الذين لا بوصلة لهم، وهؤلاء هم التائهون المعذبون بأحلامهم، أو التميز عبر دراسة متأنية لتجارب المميزين، بالتوازي مع متابعة دقيقة لتطور أساليب المهنة، وآليات ممارستها.

(في الصحافة، كما في الحب تمامًا، ينجح المبدعون، ويفشل التقليديون، المبدع ينجح أيضًا إذا فشلت التجربة، لأنه يحولها بالضرورة إلى عمل إبداعي ملهم.)

 

(4)

لا تلتفت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتناثر الإحباط من الصحافة في كل اتجاه، عبر تدوينات منتظمة، تندب حظوظ السائرين في طوابير "السُخرة" داخل أروقة الصحف والمواقع البليدة، حدد مسارك مبكرًا، وابدأ مع الكبار..

قرب انتهاء العام 2010، تزامن التحاقنا بـ"صحيفة الوفد"، انضم صديقي- الشاب العشريني-وقتئذ- لقسم التحقيقات، وهو الذي بلا خبرة تذكر في مجال عمله، وقتها كانت الجريدة العريقة مكتظة بالقامات الصحفية الرفيعة، ونحن محض متدربين جدد، لاقيمة لنا، ولا مقام، بدأ الصديق رحلته بسلسلة تحقيقات مصنوعة، لكنها تفتقد إلى خلطة سرية تنقلها من الهواية، إلى الاحتراف، مع تتابع الأيام توطدت علاقتنا، وهو ذلك الشخص الانطوائي الصامت، علم في وقت مبكر أن الاجتهاد لا يغني عن الموهبة، لكنه جسر شرعي يعبر به الطامحون إلى الحرفية المهنية، فاستل قلمه، وانطلق..

في بضع سنين حاز الذي كان دائم الشكاية من صعوبة صياغة العبارات، جائزة "دبي" المعروفة بـ"أوسكار" الصحافة العربية، تغلب على شكايته، والتحق بمؤسسة "أريج" للتحقيقات الاستقصائية، فرغ طاقته كلها للتميز، مثابرةً، وتدريبًا، وتتبعًا لخطى المحترفين، فتكررت الجائزة مرتين، وبات معروفًا في الوسط بـ"صائد الجوائز".

لم يتوقف طموح صديقي الذي دانت له المهنة بقواعدها، وجوائزها، بعد أن صار علامة بارزة في فن التحقيق الصحفي الاستقصائي، بل طور آلياته، وتمرس في التحقيقات التليفزيونية، حتى حصل مؤخرًا على منحة دراسية من إذاعة "صوت هولندا"، ولم يزل باحثًا عن منعطفات التميز الكامنة، النماذج المميزة كثيرة، فابحث عن من يشبهك، أو من تشبهه..

(تبقيك الصحافة مغروسًا في الأرض- ري برادبري).

 

(5)

كرر من الآن حتى لحظة التخرج : أنا صحفي، ولست ناشطًا سياسيًا، حتى تصير العبارة "معتقدًا" لديك..

في البدايات الصحفية، يصل الضجر أعلى معدلاته، حيث التناسب الطردي بين الجهد الوفير، والدخل الشحيح، تلك مرحلة "إن منكم إلا واردها"، فاصنع من الآن دخلًا يعينك على المواصلة بلا ملل، ويكفيك الشتات في أكثر من عمل.

إشكالية الصحافة الحقيقية الآن، هي غياب القدوة في معظم المؤسسات، وترك المتدربين فريسة للروتين القاتل، سرعة التطور تحول بين الأخذ بناصية المبتدئين، لاوقت للتدريب الجيد، إلا في مؤسسات مهنية واعدة ناشئة، يضاف إلى ذلك، رعونة أغلب المبتدئين، فكن في فقر دائم للخبرة، والمعرفة، كن أنت القدوة..

 

(6)

الفكرة المبتكرة طريقك لرحلة مختصرة، يأتيك ذلك بسهولة إذا تمرست في قراءة أفكار مصنوعة بعناية، ومكتوبة بـ"رشاقة" تصل حد الغواية.

أنت على الطريق الصحيح، إذا خرجت من سنوات دراستك الأربع، مزودًا بهذا الكم من المعرفة، و مبصرًا عن وعي لخطواتك، وتذكر دائمًا أن الملتفت لايصل، وأن كل ذلك دون لغة عربية صحيحة، كالركض في الطين..

 

(7)

(الصحافة، كالأنثى الجميلة الفاتنة، لها وحدها الوقت كله).

حين تصبح طالبًا بـ"كلية الإعلام"، تعرف على من قدموا إلى الصحافة قبل عقود حاملين مشعل الضمير، ثم هم يطيحون الآن بالقابضين على جمر الضمير.

تعليق عبر الفيس بوك