أيها الميلاد


د. أحمد جمعة | مصر

أيها الميلاد الملوح لي
من غابر الألم،
أيها العمر الذي يتسرسب
من ثقوب الغرام
في القلب الذي لم يبق به مكان آخر
لطعنة أو شعاع،
إلى أعلى النهر خذني
شمسًا تشتعل من عينيها
وتدور في فلك الحب
كزهرة عبّاد،
عاشق ومنفي وخائف من القرب
وأحب البؤس الذي في نظرتي
الذي يستحلب العطف من ملامحها
وأحب عاهرات المرافيء البعيدة
التي لا مراكب ترسو عندها
إلا ابتسامتها الشهية،
أكتب على أوراق الخطر
قصائد مخمورة
وأنثرها على طريق المطر
المطر الذي لا دليل له
سوى خطواتها،
خطواتها التي قادت العالم لحديقة خلفية
في ضحكتها
وسكِروا بالقصائد.

أيها الميلاد
الذي يرهق رئتي كلّما زاد شمعة،
قل لحبيبتي:
إنني حلم في غفوة لوردة
إنني فراشة تكتب الرحيق
في زجاجات القزح
وتلقيها في البريق
إنني جيش من النمل يخطط للسير
تحت جلدها الملوكي،
قل لحبيبتي:
لم يعد المطر مطرًا
ولا الورود ورودا
ولا القصيدة قصيدة
ولا حتى السعال الذي كانت تسببه
شهقة الشبق
عاد سعالا،
وحده الحزن لا زال قديما كما كان.

أيها الميلاد
الذي عرّي لحمي من دبيب الشوق
وزرع الشوك في عظامي
لماذا تدق باب قلبي بهذا اللين؟!
يدك كتلويحة أخيرة للفرح تبدو
وصفير قطارات السنين
يتعالى في الروح الموحشة
بينما يقطن عرباتها
الأحبة
الذين لم يبقوا معي للمحطة الأخيرة،
الأحبة الذين نزلوا في محطات
النواح
والتاريخ الذي يسيل من بين أنيابه الدم
والدموع التي لم تعد تحتمل
مركبًا أضافيا للملح
والرجفات التي ما تبقى جلد ليأويها
والسنابل التي تفحمت في العين.

أيها الميلاد
الذي كصباح بارد في عين حقودة
وجبين جعّده القهر،
قل للعالم:
للبيوت المهجورة نوافذ مشرعة
تحتضن الهواء العائد برائحة
الأحبّة،
للجسد العاري على السرير وحيدًا مجسات
تستقبل إشارات الأيادي
التي أكلها دود الغياب،
للروح التي واراها الحزن المترّب
والصمت الثرثار والخوف الملبّد بالأنين
سحابة رجاء
تطل من سماء خافتة وبعيدة.
قل للعالم:
للبنادق دموع
تسيل على بزات الجنود،
للتاريخ عيون
تدلس ألوانها السلطات،
وللوطن دم
يسيل من بين أفخاذ الصبايا
في السجون.

أيها الميلاد
القادم كليلة حالكة
خرجت من عيني حبيبتي،
اقترب بكأسكِ الفائض بدموع طفولتي
ولنداعب قلبي معا
قلبي الذي طعنه بحبٍ الأحبّة،
اقترب لنرقص معًا
رقصة الشبابيك الحزينة
والأبواب التي لم يصافحها من زمن أحد،
اقترب لأمارس معك الحب
بينما تمسك لي في يديك أحبال الخلاص،
اقترب ببندقيتك
وخلصني من هذه الحياة
كي يطير من صدري الحمام
وتفوح من جلدي رائحة الورود الغريبة،
كي تتحرر ذكرى طفولتي الأليمة،
كي أختم قصيدتي تلك
بالنور الأسود
والسفن التي عبرت البحر
بلا ألواح
لأن الريح قوّادها الجميل،
والعصافير التي
ماتت خرساء في أقفاص حلمها،
كي أنال حريتي!

 

تعليق عبر الفيس بوك