موقعة التَّوظيف في قاعات العرفان

 

حمد بن سالم العلوي

إنّ جَبْرُ خواطر الناس بعد عناء انتظار التوظيف، يُعد سابقا على عذاب الانتظار والاختبارات، ثمّ ما قيمة هذه الاختبارات بعد الدراسة لسنوات طويلة في جامعات معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي مسبقاً، وما هو ذلك القرار السديد التي ستخرج به لجنة اختبارات مؤقتة، شُكِّلت لتبت في أمر وظائف محدودة جداً، وذلك أمام عشرات المئات، بل ربما الآلاف من الخريجين الباحثين عن عَمَل، وأعدادهم في تراكم مستمر بمرور السنين والأيام، وأنتم أيها المسؤولون، ليس لديكم من مخطط واضح لتشغيل هؤلاء الآلاف من الخريجين، والتوظيف أحد الحلول اليسيرة وليست كلها، ولا الخريجون لديهم بصيص أمل لنيل الوظيفة، وذلك حسب جدول معلوم ومعروف وموصل بنتائج مقبولة.

إذن؛ لماذا عذابات الانتظار؟ وإحراجات الاختبارات العبثية؟! وحشد الناس رجال ونساء - طبعا دون اختلاط - من كافة أنحاء السلطنة!! وحشرهم في قاعات كبيرة من الصباح وحتى المساء، فكما نُشر في وسائل الاتصال، فإنّ التوافد بدأ من الثامنة صباحاً، والإختبارات المنتظرة كانت في الثالثة بعد الظهر، هذا ما تمّ تداوله حتى يثبت العكس، ولن يحصل هذا العكس، لأنّه لا أحد يريد أن يتكلم ويوضح للناس ما هذا الذي يجري، وإن المسؤولين هم أصحاب الحق دون غيرهم، ولا معقِّب على تصرفاتهم الحكيمة السديدة.

والتساؤل الذي سيظل قائماً دون إجابة - وأقول هذا بحكم التجربة - لماذا لم يتم الاختيار إلكترونياً؟! وبحسب الأقدميّة في التقديم؟ ووفق الاختصاص الوظيفي المطلوب، واختصاص الدارس وأفضلية الدرجات، أم أنّكم ما زلتم لا تؤمنون بشيء اسمه "التخصص" وحكاية أبو العِرِّيف مستمرة ولا حياد عنها، وإلا هذه فلسفة لم تسمعوا بها من قبل، كما قال ذلك أحد المسؤولين يوماً ما، عندما أحرج بطرح حلول منطقية سابقة لتفكيره الديكتاتوري، فالحساب الآلي هذا الذي دخل الخدمة في السنوات القليلة الماضية، لا شك فيه الحل للكثير من المشاكل، وهي تتمثل في الآتي:

أولاً: لأنّه لا تؤثر عليه العاطفة، ولا يقبل الواسطة، ثانياً: هو لا يعطي بالاً للإنسانية الكاذبة التي نزعمها نحن البشر، ثالثاً: ّفإن الحاسب الآلي لا يصاب بآفة النسيان، فكل ما يودع فيه من معلومات يحتفظ بها كما هي، رابعاً: والأهم من كل مما سبق ذكره، إنّه سيرفع الحرج عن المسؤولين، خامساً: سيجعل درجة الأمل في التوظيف عالية جداً لدى الجميع، والحظوظ متساوية أمام المطالبين بالعمل، سادساً: سيرفع عن الناس مخاطر التنقل في الطرقات، وتوفير ما تبقى لديهم من مال في جيوبهم، وذلك حتى يفرج الله كربة التشغيل، وسابعاً: إّن جمع الناس بهذه الكثرة، وفي خضمّ المشاعر بالظلم والإجحاف، قد يوسوس لهم الشيطان، ووسوسة شياطين الإنس أكثر تأثيراً في النفوس إلى فعل ما لا يحمد عقباه، وهذه الوسوسة حاصلة ومستمرة، فإذا موسم الخريف الذي وهبه الله لأهل عُمان يحسدوننا عليه.

إنّ التفكير في التوظيف وحده لا يحل المشكلة، فمن غير المعقول أن يكون نصف المجتمع موظفا، والأعمال الأخرى للوافدين، وليس كل الشركات باستطاعتها أن توظف كما تريد الحكومة، وذلك برواتب تتجاوز رسمياً ثلاثمائة ريال، وهناك عمالة وافدة بأقل من مائة ريال، وكل صاحب شركة تعب عليها، يريد شيئا يربحه في نهاية كل شهر، وخاصة إذا وُفق في عمالة ماهرة جيّدة، وقد سبق وأن اقترحت في مقالات سابقة، بأن تدعم الحكومة الرواتب، وأزيد اليوم بعض التفاصيل حول ذلك، وأقترح أن تكون بداية الرواتب 180 ريال مثلاً، تضيف الحكومة على هذا المبلغ مبلغاً يرفع الراتب إلى ما يزيد على ثلاثمائة ريال، وأن تظل الحكومة تدعم هذا الراتب في تنازل عكسي، حتى يصل راتب الفرد في الشركة أربعمائة ريال، وعندئذ توقف الحكومة الدعم عن المواطن، وبهذا نفتح باب التوظيف في الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا مفيد للطرفين.

إنّ دعم التشغيل في مجالات أخرى، مع وجود الدعم المادي سوف يدفع بالناس إلى أسواق أخرى للعمل، كالتجارة والأعمال الحرة وغيرها، خاصة إذا تبنتهم جمعيات وطنية يتم تنشئتها لهذا الغرض، بحيث تشمل كل صنوف التجارة والصناعة والزراعة وصيد البحر، والعُماني الذي نُشيد بإبداعه في وسائل الإعلام، يجب أن نثق فيه في واقع الحال حتى ينتج وينجح، وإن كان التشكيك في هذه الثقة قد تكون له أسبابه، ومن تلك الأسباب شيوع الحقوق ونسيان الواجبات، وأي شخص ماكر يستطيع أن يستغل ذلك، فيجب أن يكون للعمل خطط وأهداف، يشترط على العامل تحقيقها حتى يسمى العمل ناجحاً، ّأما أن يدفع المرء بماله بلا مقابل فلا يجوز، إذن التنظيم والضوابط شيء مهم في العمل.

 

 

 

وهنا نود أن نُذكِّر الأفاضل المسؤولين في القطاعين العام والخاص، إنّ آلاف الخريجين السَّاعين إلى العمل، لن يصبروا كثيراً بدون وسيلة دخل، وإن الذي يلزمهم هذا الصبر هو حبهم ألا متناهي للأب الوالد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المفدى - حفظه الله وأبقاه- وأفاض عليه بالصحة والعافية - فنقول لكم نصيحة مخلصة، لا تستنزفوا هذا المخزون الكبير من الحب والاحترام بين الناس وباني عُمان الحديثة من قلوب محبيه، وكنت قد تمنيت عليكم، بدلا أن يكون ضمن أسئلتكم، أين يزرع الفول السوداني؟ وأي بلد أكثر إنتاجاً للموز؟ أن تسألوا كيف ترون عُمان بعد عشر سنين من اليوم؟ وما أفضل السبل لتحقيق ذلك؟ وما هو دورك أنت كمواطن في الرقي بعُمان؟ فسيكون استغلال ذلك الجمع الكبير من المتعلمين والمثقفين، وذلك في عصف فكري فيستنبط منه الحلول الناجعة، واستخلاص أفضل الأفكار والمقترحات منهم، وذلك للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية للبلاد، ولأنه بدون وضع خطط لإيجاد حلول جذرية، فلن نصل إلى الهدف الكبير الذي نسعى إليه، هذا إن كنتم أنتم تعترفون أصلاً بوجود أزمة؟! فهلاّ خرجنا من الدائرة المقفلة، إلى الفضاءات المفتوحة للحلول والابتكارات؟! وأن تكون قاعات العرفان، قد أعطت الدروس والعبر، وألا تكرر بنفس الأسلوب المُتخلف جداً عن واقع الحال.