وجهة نظر

هل كان الاتفاق النووي مع إيران مؤامرة غربية؟

 

 

صادق محمد سعيد اللواتي
خلال المحادثات الطويلة التي استغرقت ما يقارب التسعة أعوام بين 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين + ألمانيا) مع إيران، حاولتْ الدول الأربعة الغربية طرح موضوع الصواريخ البالستية على بساط البحث، لكنَّ إيران رفضتْ أن يُدرج هذا الموضوع؛ حيث إنَّ الصواريخ لا تتعلق بالنووي السلمي، وأنَّها غير مُستعدة لأن تناقش هذا الموضوع أو أي موضوع يتعلَّق بدفاعاتها، الآن أو لاحقاً، غير أنها وأمام إصرار الولايات المتحدة قَبِلت أن يُدرج بند في الاتفاق مُفاده أنَّ الصواريخ الإيرانية لن تكون مُؤهلة لحمل القنابل الذرية، وبما أنَّه ليس في نية إيران امتلاك مثل هذا السلاح قبلتْ بهذا البند. قَسَّمت الدول الأربعة -فيما بينها- الاتفاق النووي مع إيران إلى قسمين ودون معرفة روسيا والصين وإيران بذلك. القسم الأول هو ما تم التوقيع عليه، والقسم الثاني يبدأ بعد مُدة قليلة من التوقيع على الأول. ووزعت الأدوار فيما بينها خلال مرحلة القسم الثاني كما يلي:
أولا: تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق، وتفرض العقوبات القاسية جدًّا على إيران، وإلحاح الولايات المتحدة على إيران بأن تحاور من جديد باعتبار أن ما تم الاتفاق عليه بين حكومة باراك أوباما هو "اتقاق هزلي وكارثي"، وفي حال رفضها فإنها ستفرض عليها مزيدًا من العقوبات الاقتصادية. إيران من جانبها تقول إنَّ التفاوض المترافق مع الإرهاب الاقتصادي غير مُمكن، وأنَّ على الولايات المتحدة أن تُوقف هذا الإرهاب أولا.
ثانياً: على الدول الثلاث الغربية في الاتفاق أن لا تتقيد بتعهداتها التي نصَّ عليها الاتفاق، وفي حالة رفض إيران التفاوض من جديد، أو أنها قرَّرت التنصُّل من التزاماتها، فإنَّ هذه الدول ستتبع خط الولايات المتحدة في فرض العقوبات أحادية الجانب بالإضافة للعقوبات التي ترتَّبت على إيران بموجب سلسلة من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن إبان التوقيع على الاتفاق.
أدركتْ إيران -وربما روسيا والصين- من خلال رفض الدول الغربية الثلاث الالتزام بتعهداتها، أنَّ التوقيع على الاتفاق النووي من قبل الغرب لم يَكُن سوى مؤامرة تتلخَّص في أن على إيران أن تتنازل عن صواريخها في المرحلة اللاحقة، وأن لا تقف إلى جانب المستضعفين والمشردين من أرضهم، وأن لا تساعدهم لنيل حقوقهم، وهذا ما يُطلق عليه "أن تُغير سلوكها"، فليفعل ما يفعل الكيان الغاصب لفلسطين بالفلسطينيين، وأن يفعل الدواعش بسوريا وشعبها ما يفعل من مجازر ودمار؛ ولكن على إيران أن لا تساعد الحكومة الشرعية هناك. إذن على إيران أن تبقَى مُقيَّدة بالاتفاق النووي والحظر الاقتصادي الأمريكي معاً، ولو خرجت منه كل الدول الغربية؛ فبمقتضى قانون الغاب، إيران هي التي يجب أن تلتزم بالمعاهدات الدولية وليست الدول الغربية الأخرى الموقعة عليها.
أدركتْ إيرن خُطورة الوضع الذي ستواجهه وهو بقاؤها في الاتفاق وحدها، وفرض العقوبات القاسية من قبل الولايات المتحدة، وتنصل الدول الغربية من تعهداتها، أو ربما هي أيضاً أخذت حَذو الولايات المتحدة، وفرضت على إيران العقوبات الاقتصادية. ولمواجهة هذا الوضع، قرَّرت إيران أن تتنصَّل خُطوة بخطوة من تعهداتها، على أمل أن تعود الدول الغربية إلى رُشدها وتنفذ تعهداتها، فإيران تريد أن يبقى كل الموقعين على الاتفاق فيه لأنه ليس من مبادئها أن تنسحب من المعاهدات الدولية؛ فإيران ليست الولايات المتحدة. قد يُطرح هنا إشكال وهو أنَّ الدول الغربية تريد البقاء في الاتفاق النووي، ولكن لا تستطيع مواجهة الضغوط من حليفتها الولايات المتحدة، وأنَّ فرنسا بعثتْ أحد المستشرين مُؤخرا إلى إيران لغرض تأكيد أن الدول الغربية تريد البقاء في الاتفاق، وأنها تبذل جهودًا واسعة لمساعدة إيران؟ أقول إرسال مستشار ماكرون إلى إيران ليس إلا خُدعة ومادة للاستهلاك المحلي، والدليل على ذلك هو ما أقدمت عليه بريطانيا مؤخراً من احتجاز، لا بل الاستلاء على إحدى ناقلات النفط لإيران في جبل طارق؛ بإيعاز من الولايات المتحدة، فبدلاً من أن تتقيد بالتزاماتها في الاتفاق النووي، تقوم بمساعدة الولايات المتحدة في حجز الناقلة!! أيُّ قانون يُجيز لبريطانيا أن تستولي على الناقلة؟ هل هناك قرار أممي بمنع وصول النفط إلى سوريا؟ طبعاً لا، إذن ألا يُعتبر هذا العمل قرصنة، والعالم برُمته -باستثناء روسيا والصين- لا يُحرك ساكناً تجاه هذه القرصنة؟ السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا وهو: ألا يمكن أن تكون الولايات المتحدة تُهيئ الظروف لمحاربة إيران؟ أقول إن الذي يمنع الولايات المتحدة من الذهاب لحرب هو أن مصالحها في المنطقة كلها معرضة للخطر، وأن الدول العربية الحليفة لها في المنطقة سوف تدفع الثمن وتُدمَّر، وأنَّ إيران ليست ضعيفة ولا يُمكن مقارنتها بحالة أفغانستان أو العراق. نعم ما تقوم به الولايات المتحدة مع حليفاتها هو الحرب الاقتصادية والحرب النفسية ليس إلا، وإيران بتاريخها لن تركع نتيجة عقوبات، بل ستقوَى إرادتها في مقاومة كل الضغوط.
هل لتهديد إيران حال رفع نسبة التخصيب لليورانيوم ستكون له أي تداعيات على المتآمرين؟ الجواب نعم، ولكن في حالة واحدة، وهي أن على إيران أن لا تتوقَّف عند نسبة 20% من التخصيب، (إيران كانت تنتج هذه النسبة من التخصيب قبل التوقيع على الاتفاق)، عليها أن تتجاوز هذا الحد بكثير حتى يضطر المستكبرون والمتآمرون الرجوع للاتفاق، وعندها تسلم إيران لهم ما يمكن لها أن تكون قد صنعت من قنابل ذرية فهي لا تحتاجها، وليس من قيمها أن تستخدم مثل هذا السلاح المدمر؛ فهذا ما تريده الولايات المتحدة من كوريا الشمالية، أن تسلِّم قنابلها النووية وتحافظ على الصواريخ؛ فصواريح بدون حمولتها الذرية ليس لها خطر يُذكر على أراضي الولايات المتحدة.
أخيراً.. ما هو سبب مُعاداة إيران؟ الجواب: هذا العداء يعود للتطور المتناهي لإيران في مختلف العلوم والتكنولوجيا والعلوم الفضائية والطاقة النووية وتصنيع الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المُسيَّرة ووقوفها ومساندتها للمظلومين والمضطهدين والمحرومين في العالم أياً كان دينهم وعرقهم ولونهم ولغتهم، ومعاداتها للكيان الغاصب للفلسطين؛ ففي عقيدة إيران أنه يجب لفلسطين أن تعود إلى أصحابها العرب.

 

تعليق عبر الفيس بوك