الشعر وفتنة التاويل (العادي ثائرًا وشهيدًا) لـ وائل فتحي أنموذجا


إبراهيم عاطف| باحث وناقد مصري
شعر العامية المصرى فى العصر الحديث قد مر بمراحل تطورعديدة ، فقد يسمى بالشعر الشعبى نسبة إلى لغة الشعب المصرى، وهى اللغة الدارجة المستخدمة فى الحياة اليومية ، وأول ما يثأر بخصوص شعر العامية هو مدى علاقة الفصحى بالعامية، وهل انتشار العامية يهدد باختفاء وضياع اللغة الفصحى،الحق أن هذا قد يقال عن الشعر العامى أذا كان لغة ثانية غير العربية، لكن الشعر العامى فى الأصل هو مستوى من مستويات اللغة العربية فالمستوى الأول، وهو لغة الفصحى ، وهى لغة الكتابة والتدوين وحفظ المعرفة ،والمستوى الثانى هى لغة الحياة اليومية، ويعبرعنها الشعر العامى الذى يعبر عن طبيعة الحياة اليومية للشعب المصرى .
وبذلك فاللغة الشعبية أو لغة أهل المصرى كما يقول الدكتور لويس عوض هى لغة أهل البلد بالفعل ؛ لانه تحمل فى سياقها الفنى داخل شعر العامية أعباء العصر وتكسبه شحنات ثقافته المحلية وتتشبع بالمورث الثقافى المصرى عبر تاريخه الطويل.
وتجربة الشاعر المصرى الشاب وائل فتحى تعد تجربة شعرية مهمة، وهى تمد صلة قرابة معرفية وإبداعية وثقافية مع المورث الغنى للعامية المصرية الممتدة منذ بيرم التونسى وفؤاد حداد وفؤاد قاعود و جاهين والأبنودى وحجاب وغيرهم من أجيال العامية المصرية.
وتاتى لغة الشاعر وائل فتحى عبر 14 قصيدة عامية داخل ديوانه" العادى ثائرًا وشهيدًا" لغة شاعرة تنتسب إلى ما يطلق عليه عامية اللغة وفصحى الدلالة والتاويل فموضوعات القصائد تشتبك مع الواقع الثقافى المصرى والعربى عبر لغة مشحونة بحرارة الواقع لغة تتحاور مع الطبيعة، وتصارع الواقع المصرى العنيف عبر ثنائية ضدية تنقل الجدل القائم ما بين الموت والحياة ما بين الكلام والصمت والجفاف والمطر؛ لتصنع اساطيرها الخاصة بالفطرة كما يقول داخل الديوان .
وعبراستلهام الدين ليتحول إلى قوة إبداعية تعبر عن فهم المصريين للحياة ،ورغم الحسية الشديدة فى التعامل مع اللغة الإ أن هذه الحسية له وظيفة شعرية ونفسية فالشاعر يسعى إلى فضح الزيف والخيانة،  ويوظف قصائد الديوان من أجل الكشف والتعرية والتفكيك كل التقاليد والقيم المجتمعية الزائف ،وأن كان بشكل يكشف عنف اللغة التى تنقل لنا عبر التكرار والتشبية جزء من عنف الحياة اليومية .
وفى بداية الديوان نجد مقطع شعرى بعنوان ملحوظة ص7 يقول
بلياتشو / مقتنع بدوره / مش محتاج ألوان يتدراى فيها
لأنه..مش قلقان يتعرى /بيضحك ! / بيضحك
لكن ما يبوزعش الضحكة/"هو".. مش لاقيها-
لذلك حافظوا على هدوءكم
وأنا بوزع السخرية وبضحك لوحدى ....
ترسل لنا الذات الشاعرة رسالة ضمنية فى بداية الديوان تكشف فلسفة الشاعر فى الحياة، فالشاعر لا يرى الشعر مجرد امتاع ومؤانسة وأن الشاعر لا ينحصر دورهفى رسم الضحكة على الوجوه مثل بلياتشو، فهو لن يزيف الحقيقة العنيفة للواقع عبر رسم ضحكات مزيفة أو قناع مستعار ليخفى قبح الواقع ؛بل هو يقول أنه" مش محتاج ألوان يتدراى فيها فهو ينزع نحو كشف العالم الغامض والقبيح ويكرس للقول الحقيقة والظهور بوجه الحقيقى والجهر بالحق وأن قل سالكو طريق الحق.
وتوزع نسق المعنى داخل القصيدة اعتماد على التنويع بين صيغ الأمر والنداء والأستفهام ،وياتى الأمر فى عبارات (حافظوا على هدوءكم ) و (بلاش تعلمونى) و(لاحظوا أنى بنقسم على ثلاثة).
ورغم ان النص ذاتى التكوين لكنه جماعيًا فى دلالة  المعنى ينهض على تصور مناهض للثقافة الرسمية المحافظة والتقاليد السائدة لذلك يأتى اسلوب الأمر للجماعة المتخيلة كاستنفار ودعوة للمشاركة فى التجربة بشكل ينقل تجربة الشاعر الفردية فى الحياة إلى تجربة لا فردية فى تلقى النص داخل بيئة لا تزال شفاهية فى التلقى والتعبير.

واللغة العامية تمارس فاعليتها الجمالية من الانتقال بدلالة المفردة العامية من الاستخدام اليومى الذى يستهلك المفردة إلى دلالة جمالية مغايرة تعيد تخليق المعنى الجالى للمفردة داخل النص، وتستطيع بذلك نقل تطور الواقع وجدل اللغة العامية المستمر مع الواقع وقدرتها على التجدد والاستمرا؛ للمواكبة الواقع المتغير شديد الفوضى عبر إعادة خلقه جماليًا وشعريًا ،وتنظيم فوضى الواقع وموسيقاها المتفرقة فى مقامات رفعية من القصائد العامية المشحونة بالطاقات الخلق والتجدد والنماء.
وينتقل فى مقطع اخر من الديوان يقول فيه
« خان ابتهال الفجر صمت المعدمين /فتح عيون الشمس؛ داست شرعهم/فشل انتظارهم/ فى اختراع الأنبيا..ضميني يمكن اكتشف فيا النبوة –وقتها- خليكى أول مومنة /سدى الفراغ اللى فى ضلوعى/ ثبتينى ما تضيعيش فرصة خضوعهم للخلاص /ما تشدنيش للضل سانديني وقت الارتجال وقت الاحتمال»
وكثرة استعمال الافعال مثل( خان/ فتح/داست/ فشل/ ضميني/ خليكى/ سدى/ ثبتيني/ ما تضيعيش / ما تشدنيش/ سانديني)
وكثرة الافعال تدل على الحركة والرغبة فى التغير فالشمس كل يوم تخون المعدمين والمهمشين الذين يبحثون عن الخلاص  فى الأخرة عبر اختراع الأنبياء والبحث عن المخلص لهم من قسوة الواقع ؛لكنه يكسر النص ذلك التوقع للخلاص، ويتوسل بفعل الحب فى عبارة ضميني التى تدعو للعشق وما تحمل دلالة الضم، وهى دلالة جسدية ونفسية ومعرفية فعبر العشق قد  يأتى الخلاص فى التدخل بين البشري فى فعل العشق والإلهى فى فعل الوحى والنبوة ،وعبارة يمكن اكتشف فيا النبوة ،ان الذات الشاعرة هنا لا تدعى يقين مزيف بل تبحث عن الحقيقة عبر الشعر والمجاز.
ونصوص الديوان كلها بشكل عام تعبر عن ذات تعانى الاغتراب وتبحث عبر الشعر والوحى والتخيل والدعوة إلى الثورة والبحث عن الله والحقيقة ، وتخلط مابين المقدس واليومى لتنقل لنا تجربة ثرية تكشف عن بحث الإنسان الدائم عن الحرية عبر توسل زمانية اللغة ومكانيتها فى بعث النشوة عبر نقل الواقع بكل تفاصيله وخاصة ما يدور من احداث سياسية وتغيرات اجتماعية كبرى واسئلة تحاول العامية المصرية  الاجابة عنها شعرًا .

 

تعليق عبر الفيس بوك