لو كُنت مترشِّحا لمجلس الشورى!!

د. عبدالله باحجاج

أُعلنت، أمس، الأسماء التي يحقُّ لها خوض غمار انتخابات الفترة التاسعة لمجلس الشورى، ومعها ستبدأ حمى الانتخابات، وسترتفع حِدتها كُلما اقتربنا من موعد الاستحقاق الانتخابي، ويسود المشهد الآن جدال حول مدى وحجم نجاح الأعضاء في الفترة الثامنة، وانعكاسات ذلك على حجم الإقبال على انتخابات الفترة التاسعة الجديدة؛ وبالتالي فقد أصبح يسيطر على الوعي الاجتماعي -من منظورنا الإقليمي كما نرصده- التساؤلان التاليان:

هل أرشح؟ ومن أرشح؟.. تساؤلان يُسيطران على الكثير من الذهنيات الاجتماعية، ولن نُبالغ إذا ما قلنا إن مشهدنا الانتخابي الآن ينقسم حول هذين التساؤلين؛ مما يستوجب علينا تصويب السلبية المتمثلة في التساؤل الأول، والدفع بها نحو إيجابية التساؤل الثاني؛ فعدم ممارسة الحق الانتخابي هو في حد ذاته تعطيل لدور الفرد في تطور التجربة الشورية المؤسساتية في بلادنا، بصرف النظر عن ملاحظات الفرد على نتائج الفترة الثامنة؛ فهذه النتائج حتى لو كانت سلبية من منظور البعض؛ فهى تسجَّل في تاريخ التجربة الطويلة؛ مما ينبغي البناء عليه لتفادي السلبيات في الفترة التاسعة، وهو ما يعبر عنه هنا التساؤل: من أُرشِّح؟

كلُّ التجارب التي شهدتها مسيرة الشورى في بلادنا تُشكِّل رصيدًا لإنضاج التجربة ممارسةً ووعيًا، وهذه الرهانات التي نعول عليها في نقلة جديدة لتجربة الشورى المؤسساتية الملزمة في بلادنا؛ بحيث يمكننا القول بأنَّه يتوافر لدينا الآن رصيد كبير من الممارسات والنتائج المتباينة التي يُمكن أن تواكب مرحلة تطور مفهوم الدولة الجديد؛ وبالتالي، فإنَّ الاستمرارية في الإيمان بهذه التجربة ومستقبلها ينبغي أن تظل بنفس القوة التي انطلقتْ بها عام 1981.

والقضية التي ينبغي أن تشغل كل ناخب تتجلى فيما يطرحه التساؤل الثاني: من أُرشِّح؟ مَن أرشِّحه لكي يخدم قضية تطوير التجربة؟ من أرشِّحه؟ من اعتقد أنَّه سيستفيد من تجربة الفترة الثامنة في علاقة العضو بالفاعلين في الحكومة من جهة، وفي علاقة المجلس بالحكومة كمؤسستيْن دستوريتيْن لتفعيل الشراكة بينهما.

فمقولة إنَّ العضو ومهما كانت مؤهلاته وكفاءاته، لن يخترق دفاعات وتحصينات الحكومة "مثل هذه الأفكار تمثل ارتدادا على تطور التجربة نفسها، وهى تجربة لم تولد وتستمر حتى الآن، إلا لكي تظل وتتطور، لا أن تتراجع، صحيح شهدنا في الفترة الثامنة ملاحظات كبيرة على أداء الكثير من أعضاء المجلس".. لكن، هذا ينبغي أن يرفع حماسنا بهذه التجربة من منظور من أرشح للفترة التاسعة؟

فمسيرة تجربتنا متواصلة، ولن يُسمح لها سياسيًّا بالتوقف، كما أصحبت هاجسًا اجتماعيًّا يُتطلع من خلاله لأن يأتي ذلك اليوم الذي تُصبح فيه الشراكة الحكومية المجتمعية على قدم المساواة، لكننا وحتى ذلك الوقت -وهو آتٍ بمشيئة الله- لا يمكن التقليل من أهمية قوة أداء العضو المنشغل بهاجس التمثيل المجتمعي، فلديه مساحات كبيرة، لو فرَّغ نفسه لها، وعمل فيها بتجرد ومهنية دون التلويح بالصلاحيات كشماعة.

من أرشِّح للفترة التاسعة؟ رُبما علينا أن نتوقَّف قليلا عند تجربة انتخابات الفترة الثامنة، فمن رشحنا لها؟ تمَّ ترشيح أصحاب البرامج المثالية التي لم تراعِ تطور التجربة وصلاحيتها الراهنة، وقفزت إلى ما هو أكبر والذي هو أصلا ضمن إستراتيجيات الدولة، ومن خلالها -أي هذه البرامج- كسبت الشرعية الاجتماعية من خلال صناديق الاقتراع.

وقد كانتْ برامجهم مثالية، وليس برامج واقعية لعضو في مجلس شورى لا يزال في طور التطور رغم الصلاحيات التشريعية والرقابية التي مُنحت له منذ العام 2011، وحتى هذه الصلاحيات في أمسِّ الحاجة لممارسة فعلية لإنضاجها من جهة، وتحريرها من بعض قيود لائحتها التنظيمية من جهة أخرى. من هنا، ينبغي أن تكون انطلاقة الناخبين في اختيار الأعضاء الجدد، فمن يكون في حملته الانتخابية موضوعيا وصادقا مع تطورات ومآلات تجربتنا الديمقراطية ينبغي أن يكون أقرب للواقعية وله الأفضلية.

ولو سألنا كل عضو انتهت فترته الآن: كم نسبة مئوية قد حققت من برنامجك الانتخابي المعلَن؟ وهذا التساؤل لا ينفِي النتائج من حيث المبدأ، لكننا نُحاكِم هنا البرامج الانتخابية، فالتنويع الاقتصادي مثلا، ملف يخضع لإستراتيجيات وسياسات الدولة، وكان ينبغي أن يكون دور العضو هنا ممارسة دور الرقابة على التنفيذ لا رفع شعار التنويع، ومعظم الأعضاء ضَمَّنوا ملف التنويع الاقتصادي ضمن برامجهم الانتخابية.

فالبرنامج الانتخابي هو بمثابة عقد يتضمَّن بنودَ التزام المرشح خلال تمثيله للمجتمع في مجلس الشورى، ومن ثمَّ ينبغي أن يخضع للمحاسبة، لكنَّ تجربتنا لم تصل إلى مستوى البرامج الانتخابية والوفاء بها؛ فالهندسة السياسية لصلاحيات مجلس الشورى -التشريعية والرقابية- لا تزال في مرحلة التدرج المرحلي التي تعطي للحكومة الغلبة، لكن تظل هذه مرحلة، ومن المؤكد أننا سنغادرها بحكم التطورات المتدرجة والممارسة الشورية الواعية.

فكلُّ المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة تنتج لنا هذه المرحلة الجديدة؛ لذلك سيُشارك المجتمع عن طريق مُمثليه في التشريع وفي الرقابة، ففرض ضريبة أو رسوم على المواطنين، سيُصاغ بثنائية التوافق لا أحادية القرار؛ لأنَّ وراءها تداعيات اجتماعية؛ فالشراكة ضمانة القبول والتخفيف من حدية أحادية التجاذبات، والرقابة على الإيرادات العامة ينبغي أن يتشدَّد فيها ممثلو المجتمع لأنها أموال عامة.

وحتى هذه المرحلة نتوقع أن تكون منظورة، وفق سياقات الحتمية من جهتين؛ إحداهما: تطوُّر تجربة الشورى المؤسساتية في بلادنا، والتي استشرافها يشير إلى حتمية انتقالها من صفة الشورى المؤسساتية غير الملزمة إلى الملزمة، والأخرى تتمثَّل في الحتمية السياسية التي يكون وراءها تطور دور الدولة التي تحتم تفعيل نطاق الشراكة المجتمعية.

وحتى تأتِي هذه المرحلة المهمة جدًّا، لابد من استمرارية الإيمان بهذه التجربة، وبقوة متصاعدة. ومن هنا، ينبغي أن يكون الإقبال على صناديق الاقتراع والفوز فيها في قمة التنافسية الشريفة، حتى يسعى الفرد والجماعة إلى ضخ أعضاء جدد من وعي التجارب السابقة، وتجاربنا حتى الآن تُنتج لنا وعيًا يجعلنا من خلاله نتحفَّظ على أي مرشح يضع برنامجًا خياليًّا؛ لأنه ببساطة لن يتمكَّن من تحقيق أي نسبة منه، فكلُّ مُرشح عليه أن يكون واقعيًّا مع المرحلة وصريحًا مع ناخبيه، وكل من سيتبنَّي هذا النهج سيكسب التعاطف الشعبي.

ولو كنت مترشحا، فمن المؤكد أنني سأتبنَّى الواقعية المعاصرة كاستفادة من التجربة الثامنة، وكذلك استشرافا للحاجة الوطنية لضمانة الانتقال السلس والآمن لإستراتيجية 2040، ومن هذين المنطلقين سيكون برنامجي الانتخابي العمل على تغليب استخدام الأدوات الرقابية الثمانية، وإعطائها الأولوية لممارسة مُختلف الضغوطات على الأداء العام؛ لأنَّ نجاح مرحلتنا الوطنية في توجُّهاتها المالية والاقتصادية الجديدة، سيتوقَّف على نجاعة الرقابة والمساءلة المستقلة، ولأنَّ الحفاظ على المال العام سيكون مردُّه إحساس الأطر والكوادر التنفيذية بوجود رقيب مؤسساتي مستقل لا يجامل، ولا يميل، ولا يستعطف، ولا يتمصلح.

أمَّا رفع برامج فوق قدرة العضو وصلاحياته، والكل يعلم أنها لن تتحقق، فهذا كمن يسُوق الوهم -للأسف- وكلنا شركاء فيه، وينبغي أنْ لا تتكرر مجددا؛ احتراما للعقل ومنتوجه البديع "الوعي"؛ لذلك ندعو كل مُترشح جاد لوضع برنامج واقعي يُركِّز على أهمية تنفيذ السياسات والإستراتيجيات، وينتصر للأدوات الرقابية، خاصة أداة الاستجواب التي ينبغي أن تشكل الشغل الشاغل لكل عضو للفترة التاسعة.

ولو كنت مترشحا، فمن المؤكد أنني سأستفيد من تجربة الفترة الثامنة، خاصة عدم إلغاء المساحة الفاصلة بيني وبين المسؤول، والاحتفاظ بمساحة معقولة بيننا تجعلني أقدِّر المبررات الحكومية الموضوعية دون العمل على إسقاط حقوق مُمثلي، ووجود هذه المساحة سيجعلني أتوصل مع المسئول للتوافق في تحقيق مجموع المصالح الوطنية بشقيها الحكومي والمجتمعي.

ونتمنَّى أن تصل رسالتنا إلى كل مرشح حتى يُعيد صياغة برنامجه، ونتمنَّى أن يرتفع الوعي المجتمعي إلى مستوى التساؤل: من أرشحه للفترة التاسعة؟ مُطمئنا أنَّه سيفعِّل دور الرقابة المهنية والأخلاقية المجردة، وأنه سيعمل ضمن منظومة عمل داخل المجلس لإعادة النظر في الكثير من التشريعات القائمة؛ ومن بينها: اللائحة التنفيذية الداخلية؛ فمشاهد ربع أعضاء المجلس -أو أكثر بكثير- يتغيبون عن الجلسات المهمة، لابد أن تقف له مدونة سلوك ملزمة، يعمل الأعضاء الجدد على صياغتها لتمتين وصيانة الأداء لكي يتفرَّغ العضو لمهام الرقابة على الأداء العام على وجه الخصوص، لارتقاء سلم الأولويات الوطنية خلال المرحلة المقبلة.