على جدران مُخيلتي.. رأيتُك!

مدرين المكتومية

لفترة طويلة كنا نتداول مقولة شائعة: "تعرف فلان؟ نعم، هل عاشرته؟ لا، إذن لا تعرفه".. ولَكَم كانت هذه المقولة تستحوذ على الكثير من أحكامنا الشخصية تجاه العديد من الأشخاص، أو على أقل تقدير سنوات حياتي الشخصية.. إلا أنَّ هذه المقولة اليوم -فَقط- تأكَّد لي أنَّها كغيرها من النظريات التي تحتمل الصواب أو الخطأ، وإن كانت في حالتي وصلت حدَّ القناعة بتحمُّلها الخطأ أكثر.. فبرسالة إلكترونية تعمَّقت مشاعر التقدير والاحترام بداخلي تجاه قامةٍ إعلامية لم تسنح الفرصة لي أن أحظى بشرف الالتقاء به وجها لوجه، سوى -كغيري الكثير- عبر فخامة صوته من خلف شاشة التلفاز أو عبر الأثير، والكثير من الأفلام الوثائقية التي قدَّمها طوال مشواره المهني المرصع بالإنجازات.. إنَّه الإعلامي المميَّز حسن بن سالم الفارسي، الذي لا تُخطئ أذن ذبذبات صوته المميزة، التقيته خيالاً أمس، بصُورة عميقة جدًّا، التقيته بين كلمات وسطور رسالة إلكترونية من الإعلامي محمد المرجبي، تضمَّنت أبعادًا إنسانية لشخصية لم أعهد نقاءها على كثير من الشخصيات المدرجة على قوائم معارفي، لمست انعكاسات تعاملاته الإنسانية مع الناس.. كانت بحق رسالة مُعبرة عن مشاعر الإخلاص والامتنان التي يُكنها من عاهدوا الفارسي في مناحي الحياة المختلفة.

فالفارسي -المكنَّى بـ"أبو سالم"- يحفل سجل مسيرته المهنية بالتميز والإبداع؛ فقد قدَّم الكثير من نشرات الأخبار، والأفلام الوثائقية؛ أبرزها: عمان جوهرة جزيرة العرب، والحياة في الجبال، إضافة للحياة البرية في سلطنة عمان، والحياة في جبال ظفار...وغيرها من الأفلام الوثائقية التي زاد جمالها فخامة صوته وتعليقه على ما يستعرضه الفيلم؛ فهو صَوْت لا يتكرَّر وأبناء جيله يُدركون ذلك تمامًا؛ فلو لم يكن لتأثير تعامله الإنساني، لما وجد التفاعل الكبير على صفحات التواصل الاجتماعي جميعها تنقل وتتحدَّث عن إنسانيته وطريقة تعامله المتواضعه، وصوته الذي أسر المستمعين والمشاهدين في لحظة من لحظات حياتهم.

فالحياة تُعلمنا أنه وحين يحمل شخض هذا الكم الهائل من محبة الناس، ويشغل جزءا من ذكرياتهم وتفاصيل حياتهم، فلا يسعنا إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى السماء بالدعوات الصادقة والأمنيات الجميلة أن يغمر أيامه الخير العميم جزاء ما قدَّم وأعطى، وأن يكون قدوةً يسير على خطاه سالكو طريق الإعلام، وأنَّ على المعنيين أن يضعوهم على قوائم التكريم كلما سنحت الفرصة لذلك؛ إذ لا شيء أعظم أثرًا من الاحتفاء بالمجيدين لصناعة أجيال على آثارهم يقتدون.

فـ"أبو سالم" وغيره من الأشخاص الذين ترك رحيلهم أثرًا على غيرهم، يتوجب مهنيا وإنسانيًّا أن يكون لهم تكريم يليق بمقامهم، ويليق بسنوات خدمتهم التي أفنوا فيها طاقاتهم وزهرة شبابهم، لتقديم كل ما بوسعهم لتسيير العمل بصورة تضمن جودته وأمانته، خاصة وإنْ تعلق الأمر بالإعلام، برسالته المقدَّسة وأبنائه المخلصين الذين استشعروا أمانته وحملوها بكل إخلاص على عاتقهم... وقد وفَّى بأمانة حملها المبدع بكل ما تحمله الكلمة حسن بن سالم الفارسي.