بين كوبا والكاف!

 

 

المعتصم البوسعيدي

تشهد الساحة الكروية العالمية خلال هذه الأيام منافسات بطولتي "كوبا أمريكا" بالبرازيل، وبطولة أمم إفريقيا بجمهورية مصر العربية، وقد دخلت كلاهما -أي البطولتين- مشوارهما الأخير؛ حيث وصلت البرازيل قبل كتابتي لهذا المقال إلى النهائي على حساب الغريم الأزلي الأرجنتين في انتظار الفائز من نصف النهائي الثاني بين حاملة اللقب تشيلي أو البيرو، فيما تستعد المنتخبات الأفريقية لخوض غمار دور الستة عشر مع تأهل منتخباتنا العربية مصر والمغرب والجزائر وتونس، وحالة الترقب والتوجس لمصيرها في ظل مستوياتها بدور المجموعات.

إن الشاهد على هاتين البطولتين يحتاج أن يضع عدسة مكبرة حول مجموعة من النقاط المهمة التي تستوجب الدراسة والاستفادة منها؛ فهما تُمثلان واقعين مختلفين يتنافسان لحد بعيد لكسب رهان الأفضل بعد بطولة الأمم الأوروبية. وعلى الرغم من أنَّ "كوبا" تضم تسع نجمات مونديالة -إن صح التعبير- إلا أنَّ القارة السمراء باتت تزخَر بلاعبي الصف الأول في أعرق أندية العالم مع حدة التنافس الكبير بين مجموعة من المنتخبات التي لا يمكن الجزم مسبقا ببطلها المتوج أو حتى صاحب الحظوة الكبرى فيها، علاوة على اعتبارها أحد أكبر أسواق التعاقدات الرائجة على مستوى العالم.

لقد شهدتْ بطولة "كوبا" مشاركة عربية لأول مرة، وقد ظَهر فيها المنتخب القطري بطل آسيا بثوب جيد، وبتنافسية عالية رغم خروجه من الدور الأول، وهذا مؤشر إيجابي لضيق فجوة المستويات السابقة مع أقوى منتخبات العالم، وفي "كوبا" أيضا ظهر "توهان" ميسي مرة أخرى ومعه الأرجنتين في الدوامة القديمة المتجددة والخروج "بخفي حنين"؛ الأمر الذي قلص حظوظ "البرغوث" في استعادة عرش الأفضل على مستوى العالم، مقابل رفع منسوب حظوظ بقية المرشحين، خاصة الفرعون المصري الذي يمكن أن يلعب على وتر بطولة "الكاف" لترجيح كفته إن أراد كسب هذا اللقب الفريد كسابقة على المستوى العربي، كذلك فإن "كوبا" قد تشهد عودة السامبا للرقص على إنغام الذهب بعد النكسات والتقهقر في السنوات الماضية.

وفي المشهد المقابل، نجد المنتخب المصري باحثا في داره وبين جماهيره عن تعزيز تربعه على العرش الإفريقي، وسط تنافسية يتوقع لها بطل عربي في ظل مستويات الجزائر اللافتة بقيادة جمال بلماضي، وثبات أسود المغرب التي يمكن أن ترفع مردودها خلال الأدوار الإقصائية، وفي انتظار عودة نسور قرطاج للتحليق بعد تأهل صعب جاء أثر ثلاثة تعادلات مخيبة للآمال، دون أن نغفل بقية المنتخبات الإفريقية المتمرسة كالكاميرون وساحل العاج وغانا والسنغال.

تحتاج الكرة الإفريقية إلى أن تنقِّي ثوبها من "الدنس" الذي يلوث ثوبها الجميل؛ فقضايا الفساد التي تمر بها بين فترة وأخرى تعيدها للمربع الأول، كما أنَّ وعي لاعبيها يجب أن يرتقي مع حجم التطلعات، فلقد أثبتت الموهبة قدرات اللاعب الأفريقي البدنية والمهارية لكنه لا يزال -في رأيي- بعيدا عن الفكر والذهنية التي تقوده ليكون الأفضل، والشواهد كثيرة، خاصة مع نجومنا العرب الذين لا يكاد يظهر من بين ظهرانيهم مشروع نجم عالمي حتى يخفت بريقه إلا من رحم ربي.

في المشهد الأفريقي واللاتيني وحتى الآسيوي تتشابه الصورة عند قرار زيادة عدد المنتخبات واستخدام التفاضل لحسم المتأهلين لدور الستة عشر بين أفضل المنتخبات الحاصلة على المركز الثالث بالمجموعات، ومع تعليل الأمر بالجانب التسويقي والاستثماري، إلا أن ذلك بات مؤثرا على القيمة الفنية بشكل واضح، وقد يبرر ذلك تحت بند الضريبة اللازمة التي تدفع لتحقيق المبتغى على المدى البعيد وليس القريب.

عموما.. ما بين "كوبا والكاف" وواقعنا المحلي، يجب علينا التعلم والاستفادة مما يجري؛ فهناك -على سبيل المثال- التجربة القطرية المثيرة للاهتمام، وهناك التنافسية العالية بين المنتخبات الإفريقية، وهناك ضرورة اشتغال اللاعبين ذهنيا على الرقي بأنفسهم وانضباطهم والتعامل مع الإرهاق البدني العالي في ظل عدم الحصول على فترة الراحة المناسبة بعد نهاية الموسم لأسباب وطنية لا مجال للتعذر منها، وهناك زيادة عدد المنتخبات الذي يجب أن يُستغل على نحو أفضل بعيدا عن تبرير وهم النجاح، وكم كُنت أتمنى أن أقول يجب على الأندية مراقبة هذه البطولات لتعاقدات الموسم المقبل؛ لكنني أعلم "البير وغطاه".. و"الدنيا حر" والماء شحيح!