التماعات السرد العربي عالميا "سيدات القمر" أنموذجا


محيي الدين جرمة | اليمن

 في فضاءات وأفضية مكان وزمان على هامش فصول "سيدات القمر" ثمة القارئ الفطن لا يفوته التحليق في عوالم غير بعيد عنها الصدق الفني مستبطنا في أسلوبيات جوخة الحارثي الروائية العمانية المبدعة. كما في اعتمادها تقنية بساطة العمق التيماتي لمنلوجاتها الداخلية ولغتها الشيقة التي لها امتداد أصيل في تجربتها مع القصة القصيرة والطويلة والمتوسطة بكثافة.
وفي حال روايتها المترجمة إلى الإنجليزية والحائزة بجدارة موضوعها وأسلوبها إلى جانب قدرة الإيصال في النص المترجم على المان بوكر البريطانية. تدلف " سيدات القمر" عالما من المحسوسات ومشهد جديد في السرد والاكتشاف لتبرز خلالها سمات تعدد بوليفوني يقوي لغة السرد وانتقال الحكي ومعطى الشخصيات كما يطبع التسريدات بنمنمات لغة جميلة وشائقة. تتخلل رؤيتها للسرد كفن ورؤية بما ينطوي على تعاطي كثيف لمنحى اشتغاله على حكاية محليته وغمرها بماء الوصف في سرد له تبيئة وظلال وانفساح نفسي وبصري يشحن قارئه برغابات متتالية لا تنفك عن صفحات الحكاية في سردية تمتلك طراوة المحكي. وانفساح بيئة الشخصيات على أفق تلقي أوسع. حد نداوة نص الموروث.
هنا يبرز الفن الروائي كدهشة في قربه من سرد بطولات لأناس بسيطين وعاديين من محيطات ومعيوشات أليفة الظلال والتساكن في القيم والجملة المتسامحة. وحيث السرد قيمة جديدة تستنهض هامشا بعيدا، ومشبعا بالحكايات. وحيث تبرز "العوافي" كحيز مكاني للأحداث وقصص وحوار الشخصية المتنوعة.
  أراه نزوع  شغف ثقافي ماتع يتلبس رؤية السرد في تجربة عمانية تنفرد بريادة ونكهة خاصة في الكتابة؛ كما تفتح نصها على مؤولات شتى بتعبير نظرية بول ريكور.
كما نخلص إلى أن فوز ساردة عربية بمان بوكر العالمية على هذا الشأو من الأهمية ومعايير الإبداع في تجربته المتأملة. في طبيعة وأبعاد صناعة الرواية إنما يأتي ليكسر توقعات النمطيات المعتادة في النقد الرسمي والأكاديمي غالبا. ليذهب بعيدا هذه المرة خارج مألوف التكهنات إلى تجربة دأبت بصمت لإنتاج إرادة مختلفة في كتابة الرواية. دون عصبوية لجنسانية ما تجاه المرأة أو نوع ما قد تكتبه المرأة في صدامها بجدار سلطة الذكورة كما تنمط.
فالروائية هنا تكتب لإنسان متعدد الجهات والوجوه والقضايا؛ وإن بدت أحياز العمل متعينة في زمكان محدد إلا أنها تخلص لمحليتها بفن وتتماس بسياق تاريخي دون الحاجة إلى الإغراق في فوتوغرافيا واقعية السرد. بقدر ما تجنح بتميز لخلق شخصيات تنطق بها مخيلة حرية ورؤية كاتبة مبدعة كجوخة الحارثي وتجربة من طراز نبيل وصبور ورفيع الأدب. إذ لم يكرسها أحد سوى اإداعها بتفرد ليأتي فوز عملها هنا كاستحقاق في محله لتجربة أصيلة ومثابرة تنحت صاحبتها خيارات تجربتها بصمت بعيدا عن ضجيج علب السردين وأقبية الكثير من دور ودوار النشر العربية في تكاثرها بإدعاء وتسويق عديد ما تنشره من منتجات منتهية الصلاحية والمقروئية غالبا حد القرف.
في المنتهى أقول بصدق: مبروك لجوخة الحارثي هذا المنجز والعطاء المدهش والفوز الذي يعيد الاعتبار لنوع ونوعية الرواية العربية كحضور عالمي وإنساني راكز المعرفة وموضع فخار.

 

تعليق عبر الفيس بوك