الكلباني لـ"الرؤية": أبناؤنا مطالبون بالحفاظ على منجزات النهضة والتسلح بالعلم

الرؤية - ناصر العبري

يمثل المكان في الذاكرة الإنسانية حالة وجدانية خاصة لا يمكن الفكاك من سطوتها.. تتعاظم هذه الحالة أكثر عندما تتعلق بالكتابة، وحينها يصبح هذا التعالق ذا مناح تاريخية؛ تفتح النافذة على حكاوي تلك الأيام ومشاهدها، وتكون الكتابة عيني الزمن الآني على تصاريف تلك الأيام وأحداثها، تحمل بين طياتها خبرات إنسانية متراكمة، وتنير درب السائرين نحو المستقبل.. كل هذا وأكثر تستشفه بعقلك وذائقتك حين تتصفح كتاب "شهد الذاكرة" لمعالي الفريق أول متقاعد سعيد بن راشد الكلباني.. الكتاب الذي يحكي رواية الإنسان وسيرة المكان وشموخ الزمان وحكاية جندي من مسكن، أول عماني مفتش عام للشرطة والجمارك في السلطنة، والذي تجد في ملامح وجهه حروفا من ذلك الزمن الجميل، وأنّ الانضباط العسكري لايزال يسكن قامته وأنّه واثق من الخطوات التي أنجزها في مشواره الوظيفي، وكما ذكر محمد الرحبي في مقدمة الكتاب أنّ المفتش (سعيد بن راشد الكلباني) لم يخلع زيه العسكري و "تشعر حين تجالسه بأنّ الجندي الذي حمل بندقيته قبل أكثر من نصف قرن لا يزال يتنفس رائحة المعركة في جبال ظفار، وأنّ العمر لم يمر بالرجل كثيرًا فمذاق الطفولة لا يزال طازجا بين يديه، كما هو العسل يسيل على ساعديه إذ يجني الشهد في جبال مسكن، ولا يزال عرقه يتقاطر في ميادين التدريب، متدربا أو مدربا، كما هو شهد الذاكرة، حينما كان يرتحل بين قريته والمناطق القريبة البعيدة على ظهر جمله، وحيثما القافلة تشد رحالها تقطع المسافات في تلك الأودية والسهول"..

فمحبة الوطن وعشقه ليست قبعة يخلعها المرء حينما يحال إلى التقاعد، وليست صف نياشين أو اقتران نجوم بتيجان على الكتوف بل روحًا تتوقد حتى تفارق جسدها، وعطاءً يستمر لا تحده حدود.

"الرؤية" التقت معالي الفريق أول "م" سعيد بن راشد الكلباني في حديث عن الذكريات، وخرجت منه بالحصيلة التالية التي بدأها مستهلا بالقول: "تقاعدت من فترة طويلة من جهاز الشرطة ولكن أحس بأن دمي لا يزال ينبض بدم الشرطي واعتقد كل من تلقى تدريبه في جهاز الشرطة يحس نفس الإحساس.

ويمضي الكلباني في سرد الذكريات قائلا: في عام 1970م عندما تولى مولانا حضرة صاحب الجلالة المعظم مقاليد الأمور كنت ضابط شرطة مطرح وكنت من المنظمين لاستقبال مولانا المعظم وكان وقتها جلالته قادما من ظفار، وكان العرض العسكري الأول عام 1971م في الوادي الكبير وكانت تعم السلطنة الفرحة الغامرة وحرص من المواطنين من مختلف انحاء السلطنة لحضور العرض والاستماع الى النطق السامي لمولانا المعظم وتوجيهاته السديدة".. كان للمرأة وجود في جهاز الشرطة منذ عام 1972م وعددهن امرأتان لغرض التفتيش الخاص بالنساء في مطار بيت الفلج وفي عام 1974م تم تخريج مجموعة من الشرطيات وعددهن ثماني شرطيات من مدرسة تدريب القرم تحت رعاية الدكتورة سميرة المعمري.

وفي مقارنة بين الشرطة في الماضي والآن يقول الكلباني أنّ جهاز شرطة عمان السلطانية واكب التطور الذي شمل مختلف القطاعات الأخرى، والآن الحمد لله كما نلاحظ التطور واسع في الخدمات التي تقدمها شرطة عمان السلطانية في مختلف المحافظات وولايات السلطنة والتطوّر شمل الإنسان والمرافق.

وعن أصداء كتاب "شهد الذاكرة" خلال الفترة الماضية يقول معالي الفريق أول متقاعد سعيد بن راشد الكلباني من الصعب أن أحكم على الكتاب كوني أنا المؤلف له، ولكن يمكنني القول أنّ القراء أقبلوا عليه بنهم الرغبة لمعرفة حكاية جاءت من مكونات حياة لم يعشها البعض فأراد معرفتها، وعرفها البعض فدفعهم الحنين نحو تلك التخوم الممتدة في أرواحهم؛ حيث التجربة متقاربة والظروف متشابهة والحياة نهوض من أبجديات الأمس الى لغة اليوم.. وأستطيع القول أنّ الإقبال على الكتاب كان متوقعا فقد تلقينا عددا كبيرا من رسائل الإشادات من المسؤولين والمؤسسات التعليمية في السلطنة وسفارات السلطنة في الخارج. واضاف الفريق أول متقاعد أنه لا توجد نيّة في الوقت الراهن لإصدار طبعة أخرى من الكتاب.

وفي حديثه عن الإنجازات التي تحققت في عصر النهضة المباركة أشار معالي الفريق إلى أنّ السلطنة في عصرها الذهبي وهي تنعم بالأمن والأمان، وقد عمت التنمية ربوع السلطنة بسهولها وجبالها وقراها ومدنها، فقد انتشرت شبكات الطرق الحديثة والمؤسسات التعليمية من مدارس وكليات ومعاهد وجامعات وخدمات صحية واتصالات وغيرها من الخدمات التي تخدم المواطنين بفضل الحكمة والحنكة السامية والنظرة الثاقبة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم القائد الأعلى لشرطة عمان السلطانية -حفظه الله ورعاه-.

ووجه معالي الكباني في خاتمة حديثه رسالة لأبنائه وبناته من الجيل الحالي مواطنين ومقيمين على هذه الأرض الطيبة فحواها أن يحافظوا على هذه الإنجازات والمكتسبات التي تحققت في زمن قياسي بالمقارنة مع الدول الأخرى لطبيعة عجلة التنمية والتطوير المستمرة، وأنّ عليهم تكريس وقتهم في السهر على التسلح بالعلم والمعرفة لكي يكملوا مشوار من سبقوهم وأعطوا وضحوا في سبيل هذا الوطن العزيز، ورد الجميل للوطن والسلطان. كما أنّ عليهم أن يكونوا مصدرين وناشرين لثقافتنا وقيمنا العمانية الأصيلة التي ورثناها من الآباء والأجداد.

ولم ينس معالي الفريق أول "م" سعيد بن راشد الكلباني، أول عماني مفتش عام للشرطة والجمارك في السلطنة؛ أن يتوجه بالشكر لجريدة الرؤية التي تبنّت توزيع مؤلفه "شهد الذاكرة" في المؤسسات التعليمية وغرف المصادر والكليات والمعاهد وعدد من الجامعات في المملكة الأردنية ودولة قطر.

تعليق عبر الفيس بوك