"بلومبرج": بريطانيا ستتجرع مرارة خسارة اسكتلندا بعد "البريكست"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أسئلة مزعجة حول وحدة المملكة المتحدة، بعدما زادت الهوة السياسية والتي فاقمها التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فقط في انتخابات الشهر الماضي بالبرلمان الأوروبي.

وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرج، فإنه في الوقت الذي يتعهد فيه المرشحون لمنصب رئيس الوزراء البريطاني بإتمام عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر المقبل، سواء بصفقة خروج أو بدونها، يواجه الاسكتلنديون خيارًا قاسيا: هل يجب عليهم التمسك بالإنجليزية والمفاهيم القومية أم الاستقلال؟

ويرى التقرير أن الإجابة على هذا السؤال المعضلة تتجلى في العاصمة الاسكتلندية أدنبرة، التي يعيش فيها حوالي نصف مليون نسمة، فقد أسهمت أدنبرة في حسمة نتيجة استفتاء سابق ضد الاستقلال في عام 2014. ففي تلك الفترة، وافق ديفيد كاميرون رئيس الوزراء آنذاك على إجراء هذا التصويت في محاولة لتهدئة المشاعر الانفصالية لجيل أو أكثر من الاستكتلنديين. وبعد ذلك بعامين، عارض 74% من الناخبين في أدنبرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو أعلى تصويت تحقق لصالح "البقاء" في أي مدينة بالمملكة المتحدة. وهذا التفضيل للوضع الراهن يبدو غير محتمل على نحو متزايد بالنسبة لمكان يزخر بمثل هذه الروابط الأوروبية الطويلة الأمد، فضلا عن صناعة الخدمات المالية التي ستعاني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويظهر الانقسام بين الشمال والجنوب في عبارة "الاستفتاء الثاني". ففي إنجلترا، تعني هذه العبارة إعادة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أما في اسكتلندا، فالعبارة تشير إلى إمكانية إجراء استفتاء آخر للانفصال عن المملكة المتحدة. وتعتقد الحكومة الاسكتلندية، التي يقودها الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيد للاستقلال على مدى السنوات الإثنى عشر الماضية، أن الأمر مجرد مسألة وقت من قبل نظيره البريطاني في لندن والذي لا خيار لديه سوى الموافقة على تصويت آخر. ويقول متحدث باسم الحكومة الاسكتلندية إن سياسة المملكة المتحدة المتمثلة في منع تكرار استفتاء 2014، ستثبت ببساطة أنها غير مستدامة ديمقراطياً.

ويقول سيمون بيا مدير الاتصالات السابق لحزب العمال في البرلمان الاسكتلندي الذي شارك في الحملة من أجل التصويت بـ"لا" في عام 2014 إن "هناك تحول واضح في دعم الاستقلال". ومنذ أن تحول إلى معسكر "نعم"، نتج ذلك إلى حد كبير مما يراه فجوة سياسية وثقافية متنامية بين اسكتلندا وجارتها الجنوبية. وفي حين ينقسم الساسة البريطانيون حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن الأحزاب في اسكتلندا تتشبث بخطوط مؤيدة أو مناهضة للاستقلال. ويقول بيا إن أتباعه يشكلون الآن أغلبية ساحقة مؤيدة للاستقلال، لكن ليس بالضرورة مؤيدين للحزب القومي الاسكتلدني. فبالنسبة إليهم، تحقيق الاستقلال تقدم طبيعي، ومن المحتمل أن تتسارع وتيرة التحول بانتخاب زعيم محافظ مؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثل بوريس جونسون.

وسواء كان الاعتقاد بأن اسكتلندا يمكنها تحمل نفقات الاستقلال بمفردها أم لا- وهناك بالفعل جدل محتدم حول هذه النقطة- فهناك الكثير يميز الاسكتلنديين البالغ عددهم 5.4 مليون نسمة عن بقية المملكة المتحدة. إذ يُسمح لثلاثة بنوك اسكتلندية بطباعة أوراق الجنيه الإسترليني الخاصة بها ذات التصميم الفريد، كمال يوجد في البلاد نظامها القانوني الخاص، وبرنامج تعليمي منفصل، وقنوات تلفزيونية، واحدة منها فقط باللغة الإنجليزية. وتُبقي الحكومة التعليم الجامعي مجانيا للاسكتلنديين، ويتم تمويل الأدوية الطبية. لكن في إنجلترا المواطن يدفع مقابل كل ذلك.

وإلى الشمال من الحدود، كانت مقاومة تخفيضات الإنفاق سمة بارزة في المملكة المتحدة منذ الأزمة المالية، وأذكت الرفض الشعبي الذي انعكس على التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبعد أن فازت اسكتلندا بمزيد من الصلاحيات المالية- كتنازل من لندن لمحاولة القضاء على النقاش حول الاستقلال- بات يتعين على دافعي الضرائب من أصحاب الدخول المرتفعة دفع ضرائب أكثر من نظرائهم في إنجلترا وويلز لدعم الخدمات العامة. وبذلت حكومة الحزب القومي الاسكتلندي جهودًا لوضع صيغة لقومية ديمقراطية اجتماعية شاملة؛ حيث يتم الترحيب بالأجانب للمشاركة في رحلة اسكتلندا- وتوظيف صناعة السياحة والضيافة- في تناقض حاد مع حملة الحكومة المحافظة في المملكة المتحدة للحد من الهجرة.

والنتيجة هي خريطة سياسية لاسكتلندا لم تصوّت فيها منطقة واحدة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي، احتل الحزب الوطني الاسكتلندي المرتبة الأولى في كل منطقة، على الرغم من أن النظام النسبي يعني أنه لم يفز بجميع المقاعد.

وقالت نيكولا ستورجيون رئيسة وزراء اسكتلندا في خطاب ألقته أمام مركز السياسة الأوروبية في بروكسل: "على نحو متزايد، تسير اسكتلندا والمملكة المتحدة على مسارات سياسية مختلفة.. علينا أن نواجه ما إذا كانت الاستجابة الأفضل لذلك تتمثل في أن تكون لدينا القدرة على الاستقلال لنشكل مستقبلنا".

وسمحت الاختلافات المؤسسية في اسكتلندا باستقرار الأوضاع، فبالنسبة لأنصار الاستقلال، فإنهم يبدون أكثر شبهاً بشعب يضع حجر الأساس لما يمكن أن يكون أحدث دولة في أوروبا. فالشكوك ترواد حتى بعض الأشخاص في القطاع المالي والذي تهيمن عليه شركة ستاندرد لايف أبردين وغيرها من الشركات التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر والتي كانت ذات يوم الدعامة الأساسية للنقابات العمالية. ثم جاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصوت جون يونغ الخبير الاكتواري الذي عمل في مجال التأمين والأعمال المصرفية لمعظم حياته المهنية، لصالح الحزب الوطني في الانتخابات الأوروبية للاحتجاج على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تعليق عبر الفيس بوك