الاقتصاد بين سندان القرار ومطرقة المستقبل (1-2)

 

 

فاطمة الحارثية

 

"القوة لا تأتي من المقدرة الجسدية، إنما تأتي من الإرادة التي لا تقهر" غاندي

 

العِبر تأتي في قصص وحياة من قبلنا وحولنا وهي ليست للمتعة أو التسامر، هي المعنى الفعلي للتعلم والنهوض السليم لبقاء الإنسان، والحفاظ على جوهر وأركان حياته الأساسية المختلفة؛ ولكثرة تلك الخبرات وتراكمها أعجب أحيانا ممن يعتقد بمفاهيم التعلم من التجربة والخطأ؛ ربما كسل منه في البحث والقراءة وإكمال تطوير عمال تجارب من سبقه؛ أي المكتسب من خبرات الآخر، كما فعل علماء أوروبا بمخرجات واختراعات العرب زمن الحضارة الإسلامية وزخمها حيث بنوا العلم الحديث من علوم المسلمين سواء النهضة الاقتصادية والفكرية والعلمية والطب والكثير مما نفع الناس وما زال. يقول أحدهم "لا بأس أن نتعلم من أخطائنا"؛ هل وجب الزاما أن نكون إمّعة وببغاوات نعيد ونكرر بأنفسنا لنقتنع أنه خطأ؟ إنّها الثقة التي تنقصنا وربما قصور علم الاختبار والتقييم للفعل والأعمال السابقة وإدراك كيفية وآلية التطوير عندنا.

نهضة الاقتصاد العالمي الحديث بزغ من فكر مجموعة عاصرت مناخا مختلفا وظروفا لا تشابه الأوضاع الحالية ومع ذلك ما زلنا نتبع نهجهم دون تجديد حقيقي والأسواء حين يأتي فعل الاستثمار عن قرارات من غير المؤهلين علميًا ولا فكريا أو حتى اقتصاديا أي معتمدين كليا على استشاريين ممن يسعون لتضخيم أرصدتهم دون اكتراث لاستدامة ما بعد البناء. عندما أرسل روتشيلد أبناءه الخمسة إلى مختلف بقاع القارات من أجل بناء إمبراطورتيه الاقتصادية من استراتيجية تبادل الخبرات والهدم والبناء كان ذا فكر اقتصادي مستحدث بعيد الرؤى لسبل استمرار العوائد؛ في المقابل نجدنا نمارس التجارة والاستثمار من فكر الكتب التقليدية ومفاهيم عفا عليها الزمن منذ آلاف السنين، فعليا لا اختلاف جوهري أضفناه للتشريعات والأيدولوجيات الاقتصادية المتبعة وهي مغايرة لعمل روتشيلد المبتكر مما يؤدي إلى تكرارنا لذات الأخطاء التي تقودنا إلى ذبذبة استقرار الاقتصاد ما بين الازدهار والتدهور أو الركود، والمتتبع لحركة النمو الاقتصادي يجد أن حدث التدهور يحصل بعد فترة التخمة والرخاء لأنّ العقل سكن واطمأنت النفس الجائعة لرتابة الأحداث ووفرة العائد فقل الاجتهاد والعمل وذهب الحذر والإبداع أي طغت "أوهام وكِبر صاحب الجنتين". 

ليس علينا الجني المستمر ولكن علينا إيجاد مجال الاستقرار وثبات يحُول دون تدهور وتكبد الخسائر الكبيرة بتطوير أنظمة الاقتصاد والفكر التجاري لدينا والسعي نحو التطور والإعِمار؛ إنّ تقييم مجال الاستقرار الائتماني وربطه بخطط التنمية والاستثمار يبين لنا أننا قد قمنا بتنفيذ الكثير من أعمال البناء والتأسيس دون تخطيط مُحكم وسياسة أيديولوجية واضحة لذلك نحن في هبوط بدل من صعود بياني؛ إنّ الاستمرار في ارهاق الاستثمار والموازنة وزعزعة استقرار الثقة الاستثمارية والتجارية لتعدد واختلاف مصادر التمويل الخارجية يضع الكيان الوجودي في خطر، لذلك وجب استيعاب المخاطر ووضع خطط واستراتيجيات بديلة تخفف من انهيار التوزان والنمو الاقتصادي، وارتفاع المديونية وفوائدها؛ فالتقليل أو المبالغة أو التحجيم أو تبخيس تطورات الأمور يأتي بعواقب وخيمة قد تؤدي إلى خسارة كل شيء وتراكم مشكلات لا حل لها ولا نهاية مما يفرض سلطة الغريب علينا بحكم حق الدين.

إن إيجاد نظام يناسبنا وليس نسخة عن غيرنا وإن كانت فيه مخاطرة من الحلول التي قد تقلل من التدهور المستمر للوضع المالي واستقرار الاقتصاد، واتخاذ مثل هذه القرارات ليس حكرا على جهات بل هي من ضمن منظومة الشراكة بين جميع أركان المجتمع الاقتصادي والعلمي.

في جدلية أسباب الإخفاق وعدم الاستقرار التجاري بالإمكان وضع 70% على صُناع القرار حيث إنّ القرار السليم والتخطيط الواقعي يأتي بتنفيذ متقن مع إدراك المخاطر والثغرات مما يوجد إمكانيات مسبقة في كيفية التحكم والاحتواء لمتغيرات التنفيذ وإيجاد الحلول المحتملة والممكنة في إطار زمني مدروس؛ بالإضافة إلى ذلك وجب تقدير مخرجات وثمار العمل وفترة الانتفاع واستمرار الرخاء الذي يأتي بعده؛ وآلية تجديد الفكر ومواكبة مستجدات النظام العملي بانسيابية دون زعزعة العلاقات التجارية والإنتاج.

تعليق عبر الفيس بوك