"G5".. حرب الجيل الخامس (1-3)

 

 

عبيدلي العبيدلي

خلال أقل من شهر، تحولت مياه الخليج العربي -وتحديدا تلك القريبة من مضيق هرمز- إلى ساحة حرب تمحورت حول النفط، وكانت ساحتها البواخر التي تحمله إلى الخارج. وكان ميناء الفجيرة موقع المعركة الأولى، في حين اندلعت الثانية في خليج عُمان.

تسابقتْ مراكز الأبحاث في الكشف عن سيناريوهاتها المتوقعة المترتبة على ذينك العدوانين على تلك الأهداف المدنية، وتسارعت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وطهران، في تحميل الجهة التي تقف وراء تلك الأعمال الإرهابية. ولم يتردد بعض مراكز الدراسات في رسم السيناريوهات التي تحملها تطورات هاتين العمليتين، فقد ذهب بعض من أدلى بدلوه في احتمالات التطورات التي سيسفر عنها ذلك العدوان إلى القول بنشوب حرب محدودة بين الولايات المتحدة وطهران، في حين اكتفى آخرون بالوقوف عند تصعيد محدود يتولاه الحوثيون، من خلال طائراتهم المسيرة، لكن يواجَه برَدٍّ خليجيٍّ يُعيد حرب اليمن إلى دائرتها المحصورة التي تعرفها اليوم.

اللافت للنظر، أن ما جرى في مياه الخليج، وضع ستارا مفاجئا لحرب بدأت طلائعها الأولى تطفو على السطح بين واشنطن وبكين منذ ما يزيد على أربعة أعوام، لكنها بلغت ذروتها في مطلع العام 2019، وأعادت إلى أذهان المتابعين لمجريات العلاقات الدولية أجواء الحرب الباردة التي أعقبت الحرب الكونية الثانية، بين واشنطن وموسكو، حينها، أو على نطاق وسع بين الكتلة السوفيتية والكتلة الرأسمالية.

والحرب التي تدور رحاها اليوم -والتي يطلق عليها البعض حرب الجيل الخامس (5G)- والدائرة، أساسا، بين واشنطن، وبكين، لم تعد محصورة بين هاتين العاصمتين، " بل امتدت لكي تشمل نطاقًا أوسع، حيث لجأت بكين إلى روسيا لمواجهة الضغوط الأمريكية، من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الاتصالات الروسية (STM) لتخفيف حدة خسائر (هواوي Huawei) جراء الضغوط.

أوروبا، هي الأخرى دخلت على خارطة الصراع بين البلدين أيضًا؛ ففي الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة حصار الشركات الصينية، من خلال إطلاق تحذيرات للعديد من الحكومات فى أوروبا من العمل مع شركة "هواوي"؛ قررت بعض الدول التعاون مع الحكومة الصينية في إنشاء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها، وفى مقدمتها بريطانيا". ولربما هذه هي المرة الأولى التي تندلع فيها حرب بهذا المستوى، جراء وصول شركة، هي شركة هواوي، إلى تقنية اتصالات جديدة أصبحت تعرف بالجيل الخامس، أو (5G).

اللافت هنا هو مسارعة "مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة" بأبوظبي، إلى إصدار دراسة، أعدها الباحث شادي عبدالوهاب، حملت عنوان "حروب الجيل الخامس.. التحولات الرئيسية في المواجهات العنيفة غير التقليدية في العالم". والحروب الأربعة الأولى كما وردت في تلك الدراسة كانت: "حروب الجيل الأول اعتمدت على استخدام البنادق والمدافع البدائية، بينما حروب الجيل الثاني ارتبطت نشأتها بظهور معدات عسكرية حديثة، مثل المدرعات الثقيلة، والطائرات المقاتلة، فضلاً عن الاستفادة من الاقتصاد الصناعي للدول الأوروبية لإنتاج العتاد العسكري بكميات ضخمة... وحروب الجيل الثالث ظهرت أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى عاملين أساسيين؛ هما: استمرار التطور التكنولوجي، خاصة ظهور الدبابات، وتطور الطائرات المقاتلة ونظم الاتصالات؛ مما ساعد على القيام بـالمناورات العسكرية بدرجة لم تكن معهودة سابقاً. وترجع بداية هذا النوع من الحروب إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية بفترة طويلة، كما في الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، والحرب الروسية-اليابانية (1904-1905). وتعد حروب الجيل الخامس أكثر من مجرد تطور تقليدي لحروب الجيل الرابع، وأكثر تطوراً من أشكال التمرد والإرهاب، فهي حرب بلا قيود تستخدم فيها الوسائل كافة لإجبار العدو على الرضوخ...".

وليس عبدالوهاب هو أول من تحدث عن خمسة أجيال من الحروب التي عرفتها البشرية؛ فهناك الباحث عبدالحق عزوزي، الذي يتفق مع عبدالوهاب من حيث العدد، لكنه يختلف معه على مستوى معايير، ومن ثم حروب كل جيل من تلك الحروب. فوفقا لتصنيف هذا الأخير: "هناك خمسة أجيال من الحروب عبر التاريخ؛ وهي تعكس بجلاء تطور البشرية وبناء الدول والنظام الدولي إلى غير ذلك. أما الجيل الأول من الحروب، فيمكن أن نحقب له من 1803 إلى 1815 وهي حقبة اعتمدت فيها الحروب على القوة البشرية مثل حرب نابوليون؛ حيث قوة الجيوش بقوة أعدادها... أما الجيل الثاني من الحروب، فهو وليد الثورة الصناعية، وظهور ما يسميه بعض الإستراتيجيين بحروب المدافع والنيران، والحرب العالمية الأولى هي أفضل مثال على ذلك؛ ثم عندنا حروب الجيل الثالث، ويتميز بالحرب الخاطفة كما هو شأن انتصار ألمانيا على فرنسا سنة 1940؛ لتظهر فيما بعد حروب العصابات التي طبعت بعضا من فصول الحرب الباردة كحركة التمرد في فيتنام، وهي سمة الجيل الرابع من الحروب، كما أنها حروب غير تقليدية. أما الجيل الخامس، فيتمثل في الحروب المعاصرة، وهي حروب هجينة تجمع بين مكونات الحروب التقليدية وغير التقليدية؛ ولعل أهم تجل لها يكمن في الحروب الإلكترونية؛ وروسيا قد نجحت أيما نجاح في هذا الباب؛ ونتذكر تصريحات العميد كرازيموف سنة 2013 عندما تحدث عن العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا وهي تغيير فنون الحرب، وكانت تصريحاته سنة فقط قبل ضم جزيرة القرم".

لكن في حقيقة الأمر، ما يجعل حرب الجيل الخامس مختلفة عن سابقاتها، بل وربما مختلفة عن التصنيف الذي صاغه لها الباحثان، كونها تدور أساسا حول محور تقني واحد هو تقنية الجيل الخامس من التشبيك. وقد عرف العالم عددا لا حصر له من أنواع التشبيك، لكنَّ هناك اتفاقًا على تصنيف شبكات الاتصالات وفق خمسة أجيال، تختلف مواصفات كل جيل منها نوعيا عن الجيل الذي سبقه.

وشكل الانتقال من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس نقلة غير مسبوقة من حيث المواصفات الفنية من جانب، والتطبيقات العملية التي يتيحها هذا الجيل الأخير من جانب آخر. وكان من الممكن أن تقتصر التسمية على فئة الجيل، دون أن ترتبط باحتمال اندلاع حرب كونية جديدة، لولا ما جرى بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث اعتبرت الثانية أن الجيل الخامس من الشبكات يحمل في أحشائه حربا غير معلنة تشنها بكين على واشنطن، وتمثل خطرا، لا متناهيا، وملموسا على الأمن القومي الأمريكي كما جاء على لسان أكثر من مسؤول أمريكي يتقدمهم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.