هل تشهر الصين سلاح "العناصر النادرة" في وجه أمريكا؟!

 

ترجمة- رنا عبد الحكيم

ذكر تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الأسلحة الأمريكية المتقدمة تعتمد بالكامل على "عناصر الأرض النادرة"، وهي معادن تستخرج من الأراضي الصينية، وربما تتوقف الصين عن توريد تلك العناصر إلى الولايات المتحدة كورقة ضغط في الحرب التجارية التي تشنها الإدارة الأمريكية.

وتقول المجلة إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جادل مرارا بأن الصين ستتكبد خسائر كبيرة بأكثر من الولايات المتحدة في الحرب التجارية. لكن المنتقدين يقولون إن إدارته فشلت في معالجة الضعف الرئيسي للولايات المتحدة المتمثل في احتفاظ الصين بنفوذ قوي وقدرة على الرد على منافسها الاستراتيجي الرئيسي من خلال سيطرتها على عناصر بالغة الأهمية تستخدم في تصنيع الأسلحة.

فكل سلاح متقدم في ترسانة الولايات المتحدة -ابتداء من صواريخ توماهوك والطائرات المقاتلة من طراز F-35، إلى مدمرات وطرّادات مجهزة بنظام إيجيس وغيرها الكثير- يعتمد اعتمادا تاما على المكونات المصنوعة باستخدام عناصر نادرة من التربة الصينية، بما في ذلك المغناطيس الدائم والسبائك المتخصصة المصنوعة حصريا في الصين. وقد يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الإمداد الأمريكي طويل المدى بالقنابل الذكية والذخائر الموجهة التي يجب تجديدها في أقرب وقت في حالة نشوب صراع أمريكي في سوريا أو إيران أو في أي مكان آخر، يعتمد بشكل أساسي على موافقة الصين في إنتاجها المستمر.

وترى الصحيفة أن التهديدات الصينية بقطع إمداد الولايات المتحدة بتلك العناصر لم تخف حدتها منذ طرحتها الصين لأول مرة في أواخر مايو الماضي. وتوقعت وسائل الإعلام الصينية مؤخرا أن تلك المواد التي تحتاجها الولايات المتحدة لصناعة دفاعها يمكن إدراجها في قيود تصدير التكنولوجيا الصينية وهي بحد ذاتها يمكن أن تكون ردا على الضغوط الأمريكية وخاصة على شركة هواوي للاتصالات. ونقلت فورين بوليسي عن افتتاحية صحيفة جلوبال تاميز الصينية قولها: "إن الصين قادرة على التأثير في سلسلة التوريد الأمريكية من خلال ضوابط تقنية معينة"، في إشارة إلى المواد التي تستخدم في صناعة الأسلحة المتقدمة الأمريكية.

وإذا أصبحت عناصر الأرض النادرة هي العنصر الرئيسي في جميع أنواع التكنولوجيا المدنية المتقدمة مثل الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية ومعدات الطاقة المتجددة، فهي مهمة بشكل مضاعف للدفاع. وتحتاج كل غواصة هجومية من فئة فرجينيا إلى 9200 رطل من المواد الأرضية النادرة، بينما تحتاج كل طائرة من طراز F-35 إلى 920 رطلاً، وفقًا لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونجرس عام 2013.

ولا تحتاج صناعة الدفاع- خلافًا لمعظم القطاعات الأخرى- إلى مواد أرضية نادرة متدنية توجد بالفعل- خلافًا لاسمها- في أماكن كثيرة حول العالم. وبدلاً من ذلك، فإن أكثر ما تحتاج إليه صناعة الدفاع هي المنتجات الأرضية النادرة للغاية المعالجة، خاصة المغناطيس الدائم، والتي يتم تصنيعها بشكل أساسي فقط في اليابان والصين. وعلى الرغم من أن اليابان، التي تأثرت بشدة بالحظر الصيني لعناصر الأرض النادرة في عامي 2010 و2011، حققت بعض التقدم بعدما تحررت من الاعتماد على الموردين الصينيين، لكن في الوقت نفسه لا تزال سلسلة العناصر الأرضية النادرة الخاصة بها مرتبطة بشدة مع الصين، مما يتركها دون قدرة تذكر زيادة حجم الإنتاج لإنقاذ المستهلكين الأمريكيين وتلبية احتياجاتهم.

وذكر مكتب محاسبة الحكومة في الولايات المتحدة في عام 2016 أنه "لا يوجد لدى وزارة الدفاع الأمريكية نهج شامل على مستوى الإدارة لتحديد أي عناصر التربة النادرة تعد ضرورية للأمن القومي، وكيفية التعامل مع الاضطرابات المحتملة في الإمدادات لضمان وصول مستمر وموثوق به".

وأوضحت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" هذه المخاوف في تقرير صدر عام 2018 بناء على طلب من البيت الأبيض، واتهمت البنتاجون الصين بتعمد احتكارها لهذه المعادن للضغط على قاعدة الدفاع الصناعية الأمريكية. وحذر التقرير على وجه التحديد من أن الصين هي المصدر الوحيد أو المورد الرئيسي لعدد من المواد الحساسة المستخدمة في الذخيرة والقذائف. على سبيل المثال، اعتادت الولايات المتحدة على صنع مغناطيس دائم من النيوديميوم أيون البورون ، وهي الأداة التي تساعد في توجيه الصواريخ الموجهة إلى أهدافها ؛ اليوم ، كلها مصنوعة في الصين تقريبًا ، ولا يتم تصنيع أي منها في الولايات المتحدة. في كثير من الحالات، لا يوجد بديل لهذه المواد، وفي حالات أخرى، يكون الوقت والتكلفة اللازمان لاختبار البدائل وتأهيلها "باهظين"، كما أشار التقرير.

وخلص التقرير إلى أن "الصين تمثل خطرا كبيرا ومتناميا على عمليات إمداد المواد والتقنيات التي تعتبر استراتيجية ومهمة للأمن القومي الأمريكي". وشدد التقرير على نقاط الضعف المحتملة للأمن القومي مع اشتداد حرب واشنطن التجارية مع بكين.

ومع ذلك، فليس من الواضح أن بكين ستفي بالتهديدات الضمنية بقطع وصول الولايات المتحدة عن بعض المعادن الهامة. وقال هو شيجين محرر صحيفة "جلوبال تايمز"، المملوكة للحزب الشيوعي الصيني، في أواخر مايو إن الحكومة تدرس الفكرة، لكنها حذرت من أنها قد لا تطبقها على الفور. وسيُنظر إلى هذا التقليص في بكين وواشنطن كخطوة استفزازية للغاية، خاصة بعد أن أمضت الصين العقد الماضي في محاولة لإعادة بناء سمعتها كمورد موثوق للعناصر الأرضية النادرة.

وتضاعف إدارة ترامب والعديد من المشرعين جهودهم لإعادة تشغيل المناجم الأرضية النادرة، وأصدرت وزارة التجارة هذا الشهر تقريراً يدعو الولايات المتحدة إلى معالجة اعتمادها على المعادن الحساسة المستوردة.

وطلبت وزارة الدفاع مؤخرًا من الكونجرس أموالًا لدعم الإنتاج المحلي لهذه المعادن. وتخطط ثلاث شركات مقرها الولايات المتحدة على الأقل لافتتاح مصانع معالجة للعناصر النادرة، بما في ذلك واحدة في منجم ماونتين باس المقرر افتتاحها العام المقبل والتي ستنتج حوالي 5000 طن من عناصر الأرض النادرة سنويًا، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.

ويتمثل أحد الحلول الممكنة التي كانت تدور حوله واشنطن لسنوات، في السماح لشركات التكنولوجيا بإنشاء تعاونيات. وستكون هذه طريقة لتوفير الخدمات الخاصة بالعناصر الأرضية النادرة: تعدين الأشياء وفصلها ومعالجتها وتحويلها في النهاية إلى معادن متطورة وعناصر أخرى، دون المخاطرة بالإفلاس التسلسلي الذي ابتلى القطاع لعقود.

ويحث بعض الجمهوريين في مجلس النواب الإدارة على اتخاذ مثل هذه الخطوة، ويمكن للبيت الأبيض إصدار أمر تنفيذي يفرض نفس الإجراءات بشكل أساسي. لكن في الوقت الحالي، لا تزال الولايات المتحدة تترك دون إجابة لمعضلة عناصر الأرض النادرة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة