الكعكة الغارقة في السكر

 

وليد الخفيف

يبدو أنَّ الكعكة الأولمبية غارقة في السكر، فالتنافس على نيلها محتدم والبقاء للأقوى وليس للأكفأ طالما طمس الهدف، وغابت البرامج الواقعية وحاد البعض عن الطريق الصحيح، وعليّ إشعار تشكيل اللجان التي توزع منصابها بالتراضي، فالغيوم تعوق الرؤية، والطريق بات وعرا معتما يحتاج لتعبيد من هيئة اسمها "الإزالة الفورية لأطلال الماضي"، فماذا جنينا من روادها المهرة غير حديث يئن ألماً بضعف الموارد والإمكانات، ويسبح أملاً في البقاء أبد الدهر، فالبحث ليس جارياً عن إنجاز أولمبي يعكس مستوى الاهتمام الذي توليه الدولة، وتطمح له الجماهير، إنما هو جار للظفر ببريق المنصب وشعاع أمنياته، فجسور الصلة والثقة انعدمت مع الشارع بخيبات على مدار سنوات، فقطار العمر يمضي ومحطة المجد لم تأت، ولن تأت طالما كان الشعار "أنا ومن بعدي الطوفان".

ولعل ما شهده النظام الأساسي للجنة الأولمبية من تعديلات فصلت على مزاج صانعيها خلال العامين الماضيين بلا حسيب ولا رقيب، دليل راسخ وبرهان ساطع على أن الهدف هو "أنا" ثم "أنا ومصلحتي"، فالحراك الذي طفا على سطحه أكسير الحياة التقت مصالحه مع من سنوا مواد لا يخر منها الماء بقصد التطوع لتحقق أمنيات رائدها، ولتغلق الباب أمام أي وجه جديد يعتزم الدخول لساحة النزال. فالتعديلات كلها انصبت حول مواد الانتخابات عجبا دون أن تمس بالإضافة أو التعديل أي بند فني يغير الواقع الصعب، ويمنح خزينة السلطنة أي إنجاز أولمبي، فأول ميدالية أولمبية أنفق عليها الملايين من الريالات بلا عائد، فليس هناك ما يمنع من تعديل تشريعي يوسع صلاحيات الرئيس ونائبه مثلاً لاختيار أمين السر وأمين الصندوق وإلغاء نص الانتخاب للمنصبين في الدورة القادمة، ولا مانع من أن يحدد موعد عقد الاجتماع الطارئ قبل انطلاق آسيوية جاكرتا بأيام، ومن الطبيعي أيضًا في منهجهم أن يخوض المرشح الانتخابات طمعاً في نيل منصب أو الاحتفاظ بمنصبه دون مساس حال الخسارة، فذلك المرشح فائز في كل الأحوال دون أخطار، فربما هي الانتخابات الوحيدة من نوعها في العالم التي تضمن البقاء بغض النظر عن النتيجة!!

وأعتقد أنّ بعض التعديلات التي وافقت عليها الجمعية العمومية، وبصمت بالعشرة على جدواها بصمتٍ من ذهب، وبقيت تلك المواد بعيدة طي الكتمان دون إصدار نشرة أو بيان صحفي، لا تتفق مع قانون التضامن الأولمبي، ولا تمت بصلة لمبدأ تكافؤ الفرص القائم على ركيزته أي انتخابات، فالبعض- إلا قليلا- يسعون لنيل رضا الرجل القوي، والرجل القوي يستمد سطوته من صاحب النفوذ الأقوى قاريًا، أما قصة البحث عن بطل أولمبي يُعانق المجد ويسعد الجماهير ويترجم الميزانيات التي تنفقها الدولة كل عام، فما هو سوى أمر ثانوي لا يرقى لكلمة هدف، بل يُمكن استخدامه كوسيلة لتعزيز الصلة، وتوزيع المناصب على لجان "الترضية" التي لا يحمل ممثلوها في سيرتهم الذاتية أي إنجاز حقيقي يشار إليه بالبنان ليشفع لاستمرارهم.

إنَّ بيت القصيد ليس بتولي فلان بعينه رئاسة اللجنة الأولمبية أو أي منصب كان، فلا يُمكن لأحد منهم تحقيق الأمل إلا بإجراءات أخرى مُغايرة، فالرياضة العمانية بحاجة لقانون جديد، فالترقيع لم يعد مجديًا لرتق ثوب متهالك بالثغرات، وأضحت استقلالية اللجنة الأولمبية أولوية لتحقيق أهداف وطموحات الجماهير قبل النظر لمن سيُدير دفتها، فالتشريع سيمنحها الحق في وضع الخطط السنوية والبرامج الزمنية مع الاتحادات الرياضية لتحقيق حلم البطل الأولمبي، أما اختزال القصة في إشهار لجنة "البطل الأولمبي" تُشكل بين ليلة وضحاها دون تشريع أو الإفصاح عن معايير تعكس آلية اختيار أعضائها، فما هو إلا مزيد من الإنفاق بلا جدوى.

فكيف للجنة الأولمبية الموقرة أن تشهر لجنة مهمة كهذه قبل انعقاد الانتخابات بشهر أو بالأحرى مع فتح باب الترشح، فإذا جاء رئيس جديد على سبيل المثال، فهل سيكون خارج تلك اللجنة؟! ولماذا لم تنتظر حتى إنجاز الانتخابات وتتضح الرؤية؟ ولماذا تشكلت بالأسماء دون الاعتماد على الصفة الاعتبارية؟ فأصحابها باقون للأبد! وما صحة أن تشكل اللجنة من الإداريين دون أن تضم أي مسؤول فني؟ أما السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: من يُقيّم عمل لجنة البطل الأولمبي؟ فهل هي ذاتية التقييم؟ وكيف لعضوين من الجهة الإدارية أن ينضمان إليها رغم انتمائهما إلى الجهة المختصة بالإشراف المالي والإداري؟!

إن تشكيل لجنة البطل الأولمبي افتقد لأبجاديات العمل الصحيح من حيث توقيت الإشهار، واختيار الأعضاء، كما إنها تفتقد للشق التشريعي الذي يسمح للجنة الأولمبية قانونيا بالمشاركة في معترك العمل الفني مع المؤسسات ذات الصلة، فنظامها الأساسي- كما أكد مسؤولوها في الاجتماع الصحفي الذي عقد قبل السفر إلى جاكرتا- يقتصر على التنسيق بين الاتحادات الرياضية المحلية واللجان الأولمبية القارية والدولية!

لقد كان ذلك طوق النجاة المستدام للتنصل من أي مسؤولية على المستوى التنافسي، فهل تفصح اللجنة عن تحملها مسؤولية اعتلاء منصة التتويج خلال مدى زمني واضح؟! إن لم يكن ذلك فمتى نرى وجوهاً جديدة تغزو غمار رياضتنا؟

تساؤلات عدة أجوبتها يُدركها القارئ الذي أدعوه لأن يتحلى بصبر أيوب، أما أحشائي فتمزقها الأجوبة النموذجية التي تعجز عن سردها السطور.