أليس فيكم رجل رشيد؟!

سيف بن سالم المعمري

 

في أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي كان الحديث الأكثر تداولا عن الغزو الفكري، كونه أكثر الأخطار المحدقة التي بدأت تهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ نتيجة غزو الأفكار والمعتقدات الغربية إلى مجتمعاتنا؛ بسبب الانفتاح السريع على العالم بعد انتشار الفضائيات والتقدم الملحوظ في خدمات الاتصالات.

وقد أثّر الغزو الفكري على الكثير من القيم والأخلاق والسلوكيات بين فئة الشباب على وجه التحديد إلا أن ذلك الغزو وجد في حينه الكثير من الأصوات –الخيرة- المنددة له، والمساهمة بفاعلية لتخفيف حدته على المجتمع، وتعاضدت الجهود الحكومية ممثلة بالمؤسسات التربوية والتعليمية والدينية ووسائل الإعلام بالجهود الأهلية والمتمثلة بأصحاب الفكر والرأي والأقلام الصادقة لدرء الخطر الجاثم الذي يهدد وحدة المجتمع وتماسكه الأخلاقي.

ومع انتشار ما تعرف بشبكات التواصل الاجتماعي في العقد الأول من القرن الحالي تضاعفت تحديات مجتمعاتنا العربية والإسلامية بأساليب الغزو الفكري من خلال انغماس مختلف شرائح المجتمع في تلك الشبكات، والتي لم تفرق بين فئة عمرية وأخرى، ولا بين جنس وآخر، ولا في مستوى تعليمي أو قيادي في المجتمع، فأسهمت تلك الشبكات في انتشار الصور الفاضحة والمقاطع المسيئة، وتخطت كل القيم الأخلاقية التي تربى عليها المجتمع.

وبلغ ذلك الغزو الفكري ذروته خلال هذه الأيام مع انتشار الحسابات الإلكترونية المأجورة التي أصبحت تبث سموم الكراهية والحقد والضغينة بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والمجتمع الخليجي على وجه التحديد، فانتهكت تلك الحسابات كل المحرمات فلم تراعي المسن لسنه، ولا العاجز لعجزه، ولا الطفل لبراءته، بل لم يسلم منها الأحياء ولا الأموات، وتناسى أصحابها قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :"لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره" وقال عليه الصلاة والسلام: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

ومن المؤسف حقًا أن تنفث تلك الحسابات المأجورة سمومها وتبث الكراهية والبغضاء تحت مرأى ومسمع من الجهات الرسمية في دولنا الخليجية، وتحاول صباح مساء أن تقوض النسيج الاجتماعي في بيتنا الخليجي الذي بناه الأسلاف والأجداد والآباء جيلا بعد جيل، فأين أولئك من قولته تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) سورة آل عمران.

لقد انزلقت تلك الحسابات الإلكترونية في مستوى عميق جدًا من الإسفاف والبذاءة، فطالت رموزنا الوطنية، وتحاول مرارا شق النسيج الاجتماعي، ونسجت قصص الخيانة والكذب والافتراء على الأحياء والأموات والتي تفجرت بعد الأزمة الخليجية الراهنة.

أين الرشاد والعقلاء والمتسامحون والمتسامون بخلافاتهم؛ فربما يسهل علينا يوما حل خلافاتنا السياسية، ويتعافى وضعنا الاقتصادي إذا انهار، ولكن إذا انهارت أخلاق مجتمعاتنا، وتشظت أعمدة بيتنا الخليجي، فمن يعيد تمساكه بعد ذلك؟! وليتمعنوا في قوله تعالى:" كُنتُمْ خيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" سورة آل عمران (110)، وقوله تعالى:"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)" سورة الأنفال.

ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: وإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ/ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا.

Saif5900@gmail.com