الأداء الفنّي والإداري ونتائج المشاركات الخارجية من أبرز معايير التقييم

دوريات كرة القدم.. ضعف فنّي وتراجع بالعائدات الاقتصادية

...
...
...
...
...

الرؤية - وليد الخفيف

 

يخضع تقييم المسابقات المحلية في أي منظومة كروية لمعايير واضحة، تحكمها الأرقام والإحصائيات وتحليل الأداء، فهو عمل طويل يمتد من بداية الموسم وحتى صافرة الختام؛ عبر فرق عمل ولجان عاملة ذات طابع فني وإداري. أمّا تشكيل لجنة لمناقشة سلبيات وإيجابيات المسابقة عقب الختام دون الاعتماد على قاعدة بيانات واضحة أو رصد مستمر للأحداث الفنية والإدارية والتنظيمية طوال الموسم؛ فهو عمل يفتقد للاحترافية، ومن الصعب أن يفضي لنتائج دقيقة تبنى عليها خطط عمل صحيحة.

 

ومن نسخة إلى أخرى تزداد المسابقات المحلية ضعفا، فالمستوى الفني أصبح باهتا، والقيمة السوقيّة تراجعت بصورة لم تعد تحقق المأمول من الاستثمار في القطاع الرياضي، والمخرجات النوعيّة التي تدافع عن ألوان المنتخبات الوطنية لا تمتلك القدرة على تحقيق طموح وتطلعات الجماهير، فالمسابقة تعاني عدم الانتظام، وامتداد أمدها لأشهر طويلة أكثر مما تستحق، كما أنّ كثرة التوقفات أثرت بالتبعية على الجانب الفني.

 

المشاركات الخارجية

ولعلّ نتائج مشاركات ممثلا السلطنة في المشاركة الخارجية دليل على الوضع الراهن بدقة، فالنتائج السلبية على مدار السنوات الماضية حرمت الأندية العمانية من المشاركة في بطولة دوري آبطال آسيا؛ البطولة الأقوى في القارة الصفراء، ثم تقليص المشاركة في البطولة الثانية وهي كأس الاتحاد الآسيوي إلى مقعد ونصف، ولم ينجح كالعادة ممثلا الكرة العمانية في الاستحقاق في السنوات الأخيرة، حتى بلغ الأمر حد الخروج من الملحق؛ ودوننا تبدد طموحات النصر في بلوغ دور المجموعات بالخسارة ذهابا وإيابا من هلال القدس الفلسطيني؛ تزامنا مع وداع حزين للسويق بطل الدوري من الدور الأول متذيلا مجموعته.

وتعد قوة المسابقة على اللقب، وزيادة عدد الأندية المتنافسة عليه حتى الجولات الأخيرة، ونتائج الأندية المحلية في المشاركات الخارجية، ونتائج المنتخبات الوطنية، والقيمة السوقية للدوري، والحضور الجماهيري طوال الموسم، إلى جانب القيمة المالية للمحترفين المحليين في مسابقات أقوى؛ من أبرز معايير تقييم أي مسابقة محلية؛ إذ يحتاج كل معيار لرصد مستمر طوال الموسم من أجل الكشف عن النسبة المئوية لنجاح كل هدف على حدة، ومن ثمّ السعي لتحقيق المزيد في النسخة التالية؛ لذا فمعايير التقييم إدارية وفنية متكاملة مع تفاوت في النسب المئوية حسب الهدف التراكمي من نسخة لأخرى.

 

معايير التقييم

ومع تناول كل معيار من المعايير السابقة يتضح أنّ الدوري المحلي افتقد للبند الأول وهو قوة المسابقة، والتنافس القوي حتى الجولات الأخيرة، فالفارق كان شاسعًا بين ظفار البطل وباقي الأندية التي كان يتسارع معظمها على الهبوط، فباحت المسابقة بسرها الأول قبل خمس جولات، بل إنّ تتويج ظفار كان مسألة وقت من بداية الدور الثاني.

أمّا المعيار الثاني وهو المشاركة في البطولات الخارجية، فرغم المشاركة في البطولة الثانية من حيث القوة، والتنافس مع أندية تتساوى أو أقل في المستوى الفني ومستوى الإنفاق والإمكانات المادية غير أنّ النتائج كانت سلبية متردية خلال السنوات الأخيرة، فلم تحقق الأندية العمانية إنجاز آسيوي، وإنّما تأتي مشاركتها من أجل المشاركة، رغم تمتّعها بفارق في الإمكانات، كما وتحظى بدعم مستقل من قبل وزارة الشؤون الرياضية لهذا الملف، بيد أنّ ذلك لم يشفع لتحقيق نجاح يرضي طموح وتطلعات الجماهير، فاستبعدت الأندية العمانية من دوري أبطال آسيا بعد نتائج سلبية، وتقلّصت مشاركتها في كأس الاتحاد الآسيوي ببطاقة ونصف فقط، في ظل تنامي أندية أخرى في المنطقة تحصل على دعم أقل ولا تحظى بإمكانات البنية الأساسية التي تتمتع بها السلطنة التي تضم 44 ناديا .

أمّا عن المعيار الخاص بنتائج المنتخبات الوطنية، فلم يكتب لأيّهما تحقيق أهدافه، فمنتخبات المراحل السنية لم تنجح في تجاوز مرحلة التصفيات المؤهلة لنهائيات آسيا، وكان أخرهم المنتخب الأولمبي الذي عكس الصورة الهشّة لمخرجات المسابقة، فضلا عن المنتخب الوطني الأول الذي ودّع نهائيات أمم آسيا من دور الستة عشر محققا فوزا وحيدا على تركمانستان مقابل ثلاث خسائر، وربما كان لقب الخليج أبرز نجاحاته خلال السنوات الثلاث الماضية.

أمّا عن القيمة السوقية للأندية أو الدوري بشكل عام فلم يصدر الاتحاد العماني لكرة القدم إحصائية بهذا الشأن رغم أهميّة ذلك من أجل تحديد الموقع على خارطة مسابقات الدوري، ولكن الاتحاد الآسيوي من جهته صنف المسابقة في الترتيب الـ29 آسيويا.

ولم يحظ الدوري بالمتابعة الجماهيرية، رغم الجهود الكبيرة في بث معظم المباريات، ليفتقد أحد معايير نجاحه، فالمدرجات كانت خاوية نظرًا لضعف المنتج الفني على أرضية الميدان، كما وافتقدت بعض الديربيات بريقها ولم تعد جاذبة للجماهير، الأمر الذي أثّر سلبا على تسويق المسابقة في الأخير.

 

العزوف الجماهيري

ورغم ظاهرة العزوف الجماهيري التي ظهرت في عدة مواسم إلا أنّ اتحاد كرة القدم لم يتخذ أي إجراءات على أرض الواقع لعلاج هذا العزوف، والسعي نحو وضع حلول ناجعة تفضي إلى عودة الجماهير مجددا إلى المدرجات لتفقد المسابقة بذلك ركنا أصيلا من أركان نجاحها.

كما تأثرت المسابقات فنيا نتيجة كثرة التوقفات دون أسباب واقعية ضاربا عرض الحائط بكل التوصيات الفنية التي تحث على انتظام المسابقة من أجل جودة المخرجات، لتشهد المسابقة هذا العام توقفا دام لأكثر من شهرين متواصلين، فضلا عن توقفات متفرقة أخرى، وهو أمر مشابه للنسخة قبل الماضية ما أثّر سلبا على المستوى الفني فجاءت المباريات بطيئة مملة في كثير من الأحيان عابتها العشوائية التكتيكية وتراجع الحالة المهارية إثر ابتعاد اللاعبين عن الحصص التدريبية لفترات زمنية طويلة، والبدء بعد كل توقف في حالة أشبه ببداية فترة المنافسات التي تعقب الإعداد الخاص، فمع محاولة الأندية الدخول في الأجواء الساخنة في المسابقة أجهض ذلك بتوقف طويل يفقد اللاعبين جانبًا كبيرًا من حالتهم التدريبية ويضع الأجهزة الفنية أمام تحد جديد .

وعانت معظم الأندية من عثرات مالية طاحنة منذ سنوات، دون حلول تلوح في الأفق القريب، فالعوائد التسويقة للدوري ما هي إلا إرث قديم تركه المجلس السابق. ورغم الانتقادات التي وجهت لتلك العقود من قبل أعضاء في موقع المسؤولية الآن باتحاد القدم، غير أنّ بعضهم وصفوا تجديد العقود القديمة بالإنجاز الكبير.

ولم يتمكن المجلس الحالي من إبرام عقود تجارية جديدة عبر دائرته التسويقية في السنوات الثلاث الماضية مع شركاء جدد، فقيمة العوائد التسويقية تراجعت، ولعل انسحاب شركة "مازدا" نموذجا لتأثر الجانب التسويقي بإدارة وتنظيم البطولة، الذي جاء على نحو سلبي، ما دفع الشريك التجاري للانسحاب بعدما أدرك عدم جدوى الشراكة، لتفقد الأندية والاتحاد معا دعما عينيا جيدا كانت تقدمه الشركة منذ سنوات.

غياب التسويق الحقيقي

ولم تنجح الدائرة التسويقية في إيجاد شريك تجاري يرعى مسابقة دوري الدرجة الأولى كما كان في السابق "دوري البنك الأهلي"، لا سيما بعد طريقة تنظيمه وإدارته التي أفقدته القيمة الفنية، فكان دوري الأولى التربة الخصبة لإنتاج لاعبين جدد لدوري عمانتل قبل تنظيمه بطريقة المجموعتين، لذا فنجاح تنظيم وإدارة المسابقات أحد السبل الهامة لتسهيل مهمة تعزيز المالية.

وأدّى اختراق سقف عقود ورواتب اللاعبين المحليين- الذي حدده اتحاد القدم عبر لجنة تشكلت من أربعة رؤساء أندية - إلى ارتفاع أسعار اللاعبين دون أن يعبر السعر عن قيمتهم الفنية، وعمل اللجنة افتقد القواعد الفنية للتقييم ولم يراعِ الاحترفية تزامنا مع اختراقه مع قبل البعض .

الأندية ذات الدخل المحدود وهي 7 أندية حركت شكوى لاتحاد القدم قبل نهاية النسخة الماضية من الدوري، اشتكت من اختراق أندية بعينها للسقف المحدد، مستندين في شكواهم على اعتراف أحدهم بذلك في تصريحات إعلامية، تزامنا مع التزامهم بالسقف، الأمر الذي تسبب في عدم قدرتها على إبرام تعاقدات مع لاعبين متميزين جدد، ما أدى في الأخير إلى هبوط بعضها، ونجاة البعض الآخر في الجولات الأخيرة من عمر المسابقة.

ويأتي انتظام المسابقة، والالتزام بالروزنامة المعلن عنها من بداية الموسم أولوية لنجاح الدوري الموسم القادم، مع الالتزام بالتوقفات خلال أيام الفيفا فقط، فانتظام المسابقة ركيزة أصيلة لتحقيق التطور الفني المتنامي من جولة لأخرى، الأمر الذي سينعكس على مستوى المخرجات التي تدافع عن ألوان المنتخب الوطني.

 

حلول ومقترحات

ويتعين إعادة النظر في سقف الرواتب وعقود اللاعبين من خلال دراسة فنية ممتدة طوال الموسم، تفضي لنتائج واضحة لسقف دقيق الموسم التالي، فإذا ما اعتبر أنّ التقييم من درجة نهائية هي 100% فيتم تقسيمها إلى 70% للجانب الفني، و30% للجانب الإداري، على أن تقسم الـ70% إلى 30% للمشاركة في المباريات، و10% للحضور والانضباط، و10% للمستوى البدني، و10% للمستوى المهاري، و10% عند الانضمام للمنتخب.

أمّا المحور الثاني في التقييم فخاص بالمحور الاجتماعي، ويتضمن 10% من قيمة التقييم، والمحور الثالث وهو المحور العلمي 10% وأخيرا المحور السلوكي ويشتمل على 10% منها 3% لقيام اللاعب بمهام المسؤولية الاجتماعية.

ومثل هذا التوجه معمول به في العديد من الاتحادات الرياضية "المحترفة" حيال تناولها لمسألة تحديد رواتب وعقود اللاعبين، ومن الممكن أن يستعين الاتحاد بنظام تحليل المباريات المثبت في كل ملعب من أجل تحديد المستوى البدني والمهاري لكل لاعب عبر محللي الأداء، وربما تستفيد بذلك أيضا الأجهزة الفنية للمنتخبات الوطنية. ويعد تعزيز مستوى العوائد التسويقية حجر الزاوية لتطوير المستوى الفني، فزيادة العوائد ستهم في انتظام اللاعبين وستتيح فرصا أوسع للتعاقد مع أجهزة فنية أكثر كفاءة، ومحترفين ذوي مستوى عال؛ الأمر الذي سيرفع من القيمة السوقية للدوري، وسيرتقي بالتبعية معه جودة المنتج وسيحقق الطموح في المسابقات الخارجية.

وترتبط جودة المنتج بالحضور الجماهيري ارتباطا وثيقا، وربما يحتاج الاتحاد لتطبيق بعض آليات جذب الجماهير في مراحله الأولى مثل الجوائز والفعاليات المصاحبة على سبيل المثال، وذلك لفترة محددة حتى يصبح الدوري علامة جيدة قادرة على جذب جماهيره من خلال الأداء فقط.

ومع ارتفاع قيمة العوائد التسويقية من الممكن أن يتطور المستوى الفني بمنح كل فريق سهما ماليا حسب موقعه في جدول الترتيب، فالأول يحصل على 14 سهما، والأخير على سهم واحد، مع تباعد القيم المالية بين السهم والآخر، الأمر الذي سيشجع الأندية على نيل مركز أفضل، وسيقضي على سلبية "التلاعب في نتائج المباريات" في الجولات الأخيرة، فليس من المنطقي أن ينفق البطل ميزانية تلامس 800 ألف ريال من أجل نيل جائزة مالية قدرها 50 ألفا.

تعليق عبر الفيس بوك