وماذا ينفع الاستجداء؟

 

زاهر بن حارث المحروقي

 

أربع سنوات مرّت منذ بداية الحرب السعودية على اليمن؛ وهي الحرب التي ملأ السعوديون الدنيا ضجيجًا، بأنها ستنتهي بسرعة، وسمّوها بـ"عاصفة الحزم"، إظهارًا للقوة السعودية في موازاة القوة الإيرانية في المنطقة.

ورغم مرور هذه السنوات الأربع، فإنّ هدفًا واحدًا من أهداف الحرب المعلنة وغير المعلنة لم يتحقق؛ فلم يتم القضاء على الحوثيين، بل صاروا أقوى وأصبحوا يرسلون طائراتهم وصواريخهم إلى العمق السعودي، ولم تتأثر إيران من تلك الحرب، إذ أنّ الهدف منها- أي الحرب- يتمثل في قطع أذرع إيران في المنطقة، فكانت النية التي تغنّى بها الإعلاميون السعوديون كثيرًا عبر القنوات الفضائية لدرجة الصراخ، هو التوجه فيما بعد مباشرة إلى دمشق وبيروت لاستئصال أذرع إيران؛ فيما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سببًا آخر في إحباط حلفائه العرب الذين ابتزّهم ليل نهار، فإذا به يتردد عن خوض حرب ضد إيران نيابة عنهم.

إذا كانت السعودية لم تحقق أيّا من أهدافها في حربها ضد اليمن، فإنها قد تسببت في قتل وإصابة آلاف المدنيين اليمنيين. فحسب بيان منظمة "هيومن رايتس ووتش" في موقعها، فإنّه حتى نوفمبر 2018، قُتل 6,872 مدنيًا، وجُرح 10,768 شخصًا؛ أغلبهم بسبب الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية، وفقا لـ"مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان". ومن المرجح أنّ عدد الإصابات الفعلي في صفوف المدنيين أعلى بكثير، فيما نزح آلافٌ آخرون بسبب القتال، ويعاني ملايين من نقص الغذاء والرعاية الطبية. ولا يكتفي التقرير بذكر عدد القتلى والمصابين فقط، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، عندما يشير إلى أنه "كزعيم للتحالف الذي بدأ عملياته العسكرية ضد قوات الحوثيين في اليمن في 26 مارس 2015، ارتكبت المملكة العربية السعودية، العديد من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي". ومنذ مارس 2015، وثقت "هيومن رايتس ووتش" حوالي 90 هجومًا غير قانوني، من قبل التحالف الذي أصاب المنازل والأسواق والمستشفيات والمدارس والمساجد. "قد تكون بعض هذه الهجمات بمثابة جرائم حرب". وقد أدى الصراع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة، بعد أن فرض التحالف حصارًا جويًا وبحريًا على اليمن منذ أربع سنوات، وفرض قيودًا على تدفق البضائع المنقذة للحياة وقدرة اليمنيين على السفر من وإلى البلاد بدرجات متفاوتة طوال الحرب.

لكن المفارقة الآن، هي أنّه بعد هذه السنوات العجاف التي أكلت الحربُ فيها الأخضر واليابس، نرى أصحاب "عاصفة الحزم" يستجدون ويستعطفون العالم، لحمايتهم من الحوثيين. وعندما يصل المرء إلى درجة استعطاف الرحمة، فإنّ ذلك مؤشر على الحالة الصعبة التي وصل إليها. وقد رأينا ذلك الاستعطاف والاستجداء عبر عقد ثلاث قمم إسلامية وعربية وخليجية، طلبًا للرحمة والتضامن حتى وإن كان لفظيًا؛ وهو ما سبق وحدث كذلك عام 2017، وكأنّ المسألة هي استنساخ قمة وراء قمة، وإصدار بيانات تأييد وراء بيانات مماثلة، هذا غير عرض ما ضربته الصواريخ اليمنية من منشآت سعودية، أمام القادة الذين شاركوا في القمم.

لا يمكن أن توصف الحالة التي وصل إليها التحالف إلا بالمَثل العامي القائل "ضربني وبكى.. سبقني واشتكى"؛ فهذا هو الحاصل تمامًا؛ إذ جاء في البيان الختامي للقمة الخليجية الطارئة التي عُقدت في مكة المكرمة يوم الخميس الثلاثين من مايو 2019:- "إدانة الهجمات التي قامت بها الميلشيات الحوثية الإرهابية باستخدام طائرات مسيرة مفخخة، استهدفت محطتي ضخ نفط في محافظتي الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض بالمملكة العربية السعودية، مشدداً على أن هذه الأعمال الإرهابية تنطوي على تهديد خطير لأمن المنطقة والاقتصاد العالمي الذي يتأثر باستقرار إمدادات الطاقة، ومؤكداً على تضامن دول المجلس مع المملكة العربية السعودية في مواجهة هذه التهديدات الإرهابية التي تهدف إلى إثارة الاضطرابات في المنطقة، وتأييد المجلس الأعلى ودعمه لكافة الإجراءات والتدابير التي تتخذها لحماية أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها.

- إدانة إطلاق الصواريخ الباليستية من قبل الميليشيات الحوثية والتي بلغ عددها أكثر من 225 صاروخاً باتجاه المملكة العربية السعودية، ومنها ما استهدف مكة المكرمة، وأكثر من 155 طائرة مسيرة بدون طيار".

من بيان قمة مجلس التعاون نفسه، بدى جليا أنّ صواريخ وطائرات اليمنيين لم تستهدف المدنيين السعوديين، عكس الذي حصل مع الأبرياء اليمنيين، الذين ذهبوا ضحيةَ الغارات الوحشية، وفي البيان استعطاف واستجداء العالم في نقطتين واضحتين؛ هما الإشارة إلى تهديد تلك الهجمات "على الاقتصاد العالمي الذي يتأثر باستقرار إمدادات الطاقة"، وكذلك الإشارة إلى أنّ تلك الصواريخ "منها ما استهدف مكة المكرمة"؛ وكأنّ الحرب على إيران وإغلاق مضيق هرمز ومنع إيران من تصدير نفطه لن تؤثر على إمداد العالم بالطاقة!

وسيطرت قوات ما يسمى بالتحالف على اليمن الذي أصبح بلا شرعية، ووصلت قوات التحالف إلى جنوب اليمن؛ وهي منطقة تبعد كثيرًا عن مناطق الحوثيين في الشمال؛ بل إنّ القوات السعودية سيطرت على محافظة المهرة، وأقامت فيها معسكرات وبنايات، وتمركزت على الجانب الآخر من منفذ صرفيت الذي يربط بين عُمان واليمن. والوضعُ في الأرض الآن يوضِّح بجلاء، أنّ الهدف ليس القضاء على الحوثيين- رغم أنهم أحد المكونات الأساسية للشعب اليمني- فالهدف هو أكبر من ذلك بكثير، وهو الذي كان على اليمنيين أن ينتبهوا له.

ونعود إلى ما بدأنا به المقال، ونقول: إنّ بيانات قمم الاستجداء والاستعطاف لن تفيد، لأنّها مجرد حبر على ورق، وقد رأينا كيف تحفّظ البعض ممن حضروا تلك القمم على البيانات الختامية وتبرأوا منها، ففي النهاية لن يصح إلا الصحيح.