في انتظار المشغل الثالث؟

خلفان الطوقي

 

استبشر كثيرٌ من العُمانيين والمقيمين بخبر سار وهو نية الحكومة ممثلة في هيئة تنظيم الاتصالات السماح لرخصة لمشغل ثالث لتقديم خدمات الاتصالات المُتنقلة للمنافسة مع شركة عمانتل وشركة أوريدو، وسبب استبشارهم يعود لأكثر من سبب وأهمها: المساهمة في خفض كلفة الخدمات المُقدمة، وتنوع الخدمات والعروض وكسر احتكار هاتين الشركتين، فالزبون هذا ما يهمه، وهذا بكل تأكيد من حقه ومن أولوياته، فزبون اليوم مُطلع ويُقارن بين الأسعار والخدمات المُقدمة في السلطنة والدول التي يُسافر إليها، ولا يجد مبرراً لارتفاع تسعيرة الخدمات المُقدمة من هاتين الشركتين، ويتكرر الاستياء بأشكال مختلفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المُختلفة.

لكن عند تحليل موضوع "المشغل الثالث" بصوت عالٍ وصريح، نجد أنَّ هناك تفاصيل وجزئيات يجب التطرق لها، يُمكن أن تسمى هذه الجزئيات "بالتحديات"  تتعلق إما بالمشغل الثالث أو بالمشغلين الحاليين، وأهم ما يُمكن التفكير به هو مدى رغبة وقدرة المشغل الجديد على الاستثمار في بناء شبكة الاتصالات الخاصة به؟ وهل سيلجأ إلى الاعتماد على الشبكات القائمة للمشغلين الحاليين أم سيقوم ببناء شبكته الخاصة به؟ وقدرته على الموازنة بين بناء شبكة حديثة والاعتبارات التجارية خاصة مع ما تشهده أسعار خدمات الاتصالات من انخفاض، إذا ما نظرنا إلى أنَّ أهم ما سيحرص عليه المشغل الجديد تقديم عروض مُغرية بأسعار جذابة لاكتساب أكبر حصة ممكنة من المشتركين الحاليين لدى كل من عُمانتل وأوريدو في بلد متشبع تبلغ نسبة نفاذ خدمات الاتصالات المُتنقلة به أكثر من ١٤٥% حيث لا يزيد عدد سكان السلطنة من عمانيين وغير عُمانيين عن ٤ ملايين ونصف المليون نسمة من البالغين.

عالم شركات الاتصالات مُتشابك ومُعقد، وهو مرتبط بأطراف مُختلفة بالإضافة إلى العميل (الزبون)، فهو مرتبط بالمساهمين (أفراد ومؤسسات) الذين دفعوا مبالغ مالية ليكون لهم نصيب من الشركة، مرتبط أيضا بهيئة تنظيم الاتصالات والمجتمع المحلي والمزودين والمنافسين وأصحاب الحصص الكبرى كالحكومة العُمانية التي تمتلك حوالي ٧٠% بشكل مباشر وغير مباشر أو المستثمرين القطريين في شركة "أوريدو" والصناديق العمانية التي تمتلك فيها ما لا يقل عن ١٠% وغيرهم من أطراف مثل الهيئة العامة لسوق المال وسوق مسقط للأوراق المالية، ودخول منافس ثالث يعني لهم الكثير، وبالرغم من أنَّ بعض أطراف العلاقة لن يتأثروا مباشرة بدخول المشغل الثالث، إلا أنَّ هناك أطرافا سوف تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر، وأهم من سوف يتأثر هم المساهمون الأفراد والمؤسسات الاستثمارية بمختلف أنواعهم الذين اشتروا سهم (عمانتل) على سبيل المثال قبل حوالي ١٥ عامًا وكان سعر البيع من حكومة السلطنة (١.٢٨٠) بيسة وطرح الاكتتاب الثاني في عام ٢٠١٤م بسعر (١.٣٥٠) بيسة، والآن سعر السهم في سوق مسقط للأوراق المالية أقل من (٦٠٠) بيسة أي بخسارة أكثر من النصف، ولنا أن نتخيل كيف سيكون السعر عند دخول المشغل الثالث فعلياً، وعلينا أن نتذكر أنَّ المُساهم الأكبر على الإطلاق هو الحكومة نفسها، والبائع كانت الحكومة نفسها، ذلك يجعلها "تخسر" أموالها في هذا التوقيت الحساس و"المصداقية" عند المشترين السابقين و"سوء توقيت" قرار السماح بدخول المشغل الثالث للملاك الحالين من الأسهم وأصحاب الحصص الكبيرة ومن ضمنهم الحكومة نفسها والصناديق الاستثمارية المحلية والعالمية، و"سوء تقدير" للاستثمار بأموال حكومية إضافية في سوق متشبع وسط منافسة شرسة جدًا تحتاج إلى رأس مال ضخم للتشغيل والتسويق ونفس طويل للحصول على ربح مالي غير مضمون على المدى القصير وربما المتوسط.

سيكون المشغل الثالث الذي وافقت عليه الحكومة في أكتوبر ٢٠١٧م، مملوكاً للصناديق الاستثمارية العمانية، والشريك الاستراتيجي سيكون شركة (فودافون)، ولنقلب المعادلة قليلاً، هل يُمكن لشركة فودافون أو أي شركة اتصالات عالمية أخرى أن تستثمر في الرخصة الثالثة في عمان وتكون رابحة، ولماذا لم يتمكن الائتلاف الحالي المكون من صناديق الاستثمار العمانية من إقناع شركة فودافون أو أي مستثمر آخر للدخول معها كمستثمر وشريك إستراتيجي بدلاً من أن يكون شريكًا إستراتيجيا فقط يأخذ رسوم "الإدارة" فقط بغض النظر عن ربح أو خسارة الشركة المرتقبة المملوكة من قبل مستثمرين عمانيين، ولماذا ألغت حكومة سلطنة عُمان المناقصة الدولية التي أطلقتها قبل أكتوبر ٢٠١٧م، والتي تضمنت دعوة الشركات العالمية المتخصصة للتنافس على رخصة المشغل الثالث وجلب استثمار خارجي مباشر، والذي كان سوف يثبت مدى متانة وصلابة الاستثمار في قطاع الاتصالات بوجه خاص والاستثمار في السلطنة بوجه عام، وهل لو تمَّ طرح الشركة كشركة مساهمة عامة للاكتتاب العام ستلاقي إقبالاً واسعاً، كما لاقته الشركتان الحاليتان؟

هدف المقالة ليس التقليل من أهمية المُشغل الثالث، وإنما هدفها التفكير بصوت عالٍ وبعقل واعٍ وقلب مفتوح والنقاش والتفاكر بين الكاتب ومتخذي القرار من مشرعين وممولين ومتخصصين والاستتشارين الذين قاموا بدراسات الجدوى التجارية حول إمكانية وقدرة المشغل الثالث على تحقيق "الربحية بأموال الدولة" في حال دخولها في سوق تنافسي متشبع وفي وقت حساس وعدد سكان بسيط نسبيًا، وفي وقت تُعاني منه الشركتين المتنافستين الحاليتين من تراجع إيراداتهما وأرباحهما من السوق المحلي، وهو ما يطرح أيضًا تساؤلات حول جدوى مواصلة الاستثمار في تطوير البنى التحتية التي يتطلب تحديثها مبالغ طائلة، وظهور تقنيات وتشريعات حديثة عالمية تؤثر في قدرة المشغلين الحاليين والجديد على مواصلة الاستثمار وتحقيق الأرباح.

ختاماً، هل المشغل الثالث جاء نتيجة ردة فعل لمطالب وضغوط مجتمعية لكسر الاحتكار؟ أما أن الهدف ربحي بحت بهدف رفد خزينة الدولة بموارد إضافية في هذا التوقيت الذي تبحث الحكومة وصناديقها الاستثمارية عن أي "بيسة" ترفد بها الميزانية؟ أم أنَّ المراد من هذه الخطوة تحقيق أكثر من هدف ذات النفس الطويل كتوفير وظائف للشباب العُماني وتنويع الخدمات وكسر الاحتكار وإشعال حرب الأسعار بين المشغلين الثلاثة بغض النظر عن الربحية؟ لننتظر ونرى.