لماذا وكيف؟!

 

فاطمة الحارثية

 

"بدلاً من أن تُبادر بالهجوم على الشخص الناجح، بادر في أن تصبح أكثر نجاحاً منه، ذلك هو الفرق بين الحقد والطموح"، ستيفن كوفي.

على مسرحِ الحياة نرى أبطالاً وأشباهاً في كل دقيقة؛ أشباه لا تعلم وتعمل فهم لم يقرؤوا الرواية يومًا ولم يُكلفوا أنفسهم مراجعة سيناريو استلموه واستعجلوا اعتلاء المسرح وارتجال أدوارهم دون إدراك ما فيه أو عليه أو بُعده... سلوا سيوفهم وهرعوا لمُمارسة الدور واستعراض ضحالتهم أمام جمهور بعضه تقنع الاندهاش وصفق وآخـــر ضحك ساخـــرا.  هناك في مكان ما بطل تمهَّل كثيرًا حتى نسي الجمهور حضوره... استغرق في قراءة الرواية ومراجعة السيناريو مرات ومرات... وأصر بعد القراءة والإعادة أن يبقى خلف الكواليس يراقص دمى المسرح بعينيه ويديه وأحياناً يتقمص دورًا للحظات ويعود بعدها إلى الكواليس بهدوء قبل وثب الثعالب (أشباه).  قد نعلم دورنا في تيه المسرح وقد لا نعلمه ربما لأننا نصر في تغافل مُتعمد منِّا على الاعتقاد بأنَّ هناك على مقاعد الجمهور حيزا واسعا يجلس عليه بعض البشر (والحقيقة - بإسقاط الباء).

إنَّ التغيير يشمل الكثير من النواحي غير أنَّ أساسه ينبع ويأتي من ذات الفرد نفسه، وبدون أن تتغيُّر الأنفس لن يكون بالإمكان تغيير المُحيط؛ فالجوهر ينسل منه وينساب على بقية الأركان لتكتمل بنية التغيير وتصبح شاملة. بالتالي نجد أنَّ الحاجة إلى الانتقال من حال إلى آخر أو إحداث التغيير ليس متصلاً بالبيئة المحيطة بالفرد ولا يحصل من أجل بلوغ رغبة أو غرض ما أو حتى التأقلم وبكل تأكيد ليس من أجل الاختلاف لأنه إذا حصل بتلك الطريقة يصبح تغيُّرا خارجياً أي في الهيئة.

عندما يرغب المرء بالتغيُّر يبدأ بالتفاعل وعمل مقارنة تقييمية للوضع الحاضر والوضع الجديد الذي يصبو إليه والزمن الذي يحتاجه، هنا يتبع النظاميون الذين يدركون ويعلمون مدى التحدي الذي يُواجههم من أجل هذا التحديث أساليب مثل تعلم طرق تعويد النفس على الجديد ونبذ المعتاد، إيجاد الفوائد والعوائد، تحفيز الذات وتثقيفها، تبني المناهج الناجحة، التعلم من الغير والخبرات، تقبل الجديد والانفتاح الفكري مع الآخرين وغيرها من الأعمال الهامة لبلوغ الأهداف؛ والأفضل وجوب عدم إكراه النفس والإدراك التام بأن كل شيء يمر بمراحل ممنهجة ومنطقية ويحتاج الإنسان إلى العزم وقوة الإرادة والمواجهة، وأن استخدام بدائل للتخفيف من وطأة الأمر هو مضيعة للوقت والجهد. نجد أنَّ أصحاب الشخصيات المرنة هم أكثر النَّاس سرعة في تجاوز مراحل التغيير بينما أصحاب الشخصيات التقليدية المتعصبة يحتاجون وقتاً أكبر بكثير وفي العادة هم أكثر من يتحايلون بخلق البدائل لإقناع أنفسهم والضغط عليها من أجل تجاوز مراحل التغيير والفترة الزمنية وكثيراً ما يعودون إلى ذات الممارسات والسلوك لغلبة شهوتهم وضعف النفس لديهم.  

إنَّ الكثير من الناس لا يدركون أنهم في حاجة إلى التغيّر وآخرون قد لا يعلمون أنهم تغيروا بالفعل وليس بالضرورة أن يحدث التغيُّر بعلم الشخص ووعيه فهناك تغيُّر إيجابي وهناك آخر سلبي. يعلل المحللون أمر الأفراد الذين لا يدركون أنهم في حالة تغيُّر أو تغيروا إنه حدث نتيجة رد فعل لظروف فُجائية أو تراكمية حصلت في البيئة المحيطة بهم أثرت عليه عاطفيا وفكريا مثل حالات الصدمة أو الخيبة أو تفاعل عاطفي عميق.

طموح الإنسان الناجح لا ينتهي لأنه يسعى نحو تطوير ذاته والمحيط الذي يعيش فيه لذلك ينتهج الأساليب المختلفة مثل تعزيز ثقافته الفكرية بالقراءة المُنتقاة المُستمرة وصقل مهاراته واكتساب غيرها بالتعلم والتدرب القائم على أسس منظمة تخدم توجهاته وألق طموحه.

مثل هؤلاء يمكننا تسميتهم بالقادة ولا يقتصر تأثيرهم الإيجابي في مجال العمل والسيادة الوظيفية فقط لأنهم يعملون على صياغة العطاء الشامل لذواتهم والبيئة المحيطة بهم سواء الاجتماعية أو العملية أو الثقافية على حد سواء ويظهر ذلك جلياً عندهم بالأفعال وجودة النتائج الإيجابية وليس بالخطب والأقوال الفارغة أمام الميكروفونات وكاميرات التصوير؛ أي أنهم قول لتوجيه وسلوك للامتثال والتأثير وفعل متعدد الفوائد والنتائج وليس قولا لتصفيق وسلوك لتسلط وفعل لمكسب شخصي.

الوجود والبقاء على مسرح الحياة يحتاج إلى أبطال يتبنون قيم وسمو الخلافة كمجموعة لا كأفراد لتبدأ حبوها من الخيال إلى الورقة فالمسرح، ولتستطيع أن تستقطب جمهورا متعدد الإمكانيات لابد من إثخان السيناريو بأدوار لا حدود لها غير آبهين بالمكان والمقام والمكانة، بل بذل الجهد من أجل الإِعمار والصالح العام. إن القادة أبطال على أرض الواقع يتسمون بالقدرة الرائعة على التأثير في مختلف الحالات والظروف؛ وإن عقدنا مقارنة بسيطة بين المسؤول القائد والمسؤول المدير لأوصل لكم بعض سماتهم؛ نجد أن القائد مستمع ومُحاور مؤثر ويستطيع أن يستقطب عددا كبيرا ممن حوله لأنَّ الناس يجدون فائدة ملموسة ونتائج واضحة فيما يأتونه من عمل جماعي وتعامل معه، يُشعر من حوله بالأمان والثقة والاعتماد والتقدير والأريحية في إبداء الرأي وتبادل الأفكار والابتكار دون وجل من أن ينُسب المجهود إلى آخر، كما نجد الجودة في الأداء والنتائج وتطور شخصيات الأفراد من حوله لأنه يقدم لهم (ماذا عليهم أن يفعلوا وكيف ولماذا) وكفريق نجده قادرا على تطويع وتذليل كافة التحديات وإيجاد الحلول الفعّالة؛ وفي الطرف الآخر (المدير) نجد مناخا سلبيا يُبجل المُسميات لا الفكر يعمل على التهميش وفرض السلطة والتطبيق الحرفي للتعليمات دون إبداع أو تطوير ولا يوجد تحفيز وجو مشحون في ضغط ومكائد وأسرار وغير متعاون، أي لا يعمل إلا بالتعليمات والأوامر؛ إبداء الرأي يُعدُ تطاولا ووقاحة، كلٌ يحجم الآخر، لا جودة لأن الأداء يكون من أجل إنهاء الدور وليس العمل، كما أن (إلقاء اللوم) هو المناخ السائد، وسوء الفهم والتواصل هو الذريعة المتربعة على عرش الأخطاء لديهم، سلوك بيروقراطي بحت تحت أعذار المسؤولية والعواقب وعدم المخاطرة.    

 

رسالة

الواسطة والمعارف والخدمات ذات الطابع الشخصي كلها في الدَرك الأسفل من وهم البطولة بل هي كحظوة المهرج، ومع كل ذلك الجهد فإنَّ الستارة ستسدل عنهم في أية لحظة كثانويين ومهرجين في الحياة ستلفظهم رحمة الله ويصبحون كأدوات لنار التخييم.

 

كن مؤثرا.... علِّم من حولك (كيف) ولا تفعل عنه حتى لا تُلجم بلجام كاتم العِلم.

 

"مقياس القائد ليس هو عدد من يخدمونه وإنما عدد من يخدمهم"، ماكسويل.