توماس فريدمان يكتب: ترامب الرئيس المناسب للصين

...
...
...

 

ترجمة- رنا عبد الحكيم **

** مقالة مترجمة للكاتب الأمريكي توماس فريدمان نقلا عن صحيفة "نيويورك تايمز"

 

أتحدث بداية عن صديق لي وهو أحد رجال الأعمال الأمريكيين الذي يعمل في الصين، وقد لفت انتبهاي مؤخرا إلى أن دونالد ترامب ليس الرئيس الأمريكي الذي تستحقه أمريكا، لكنه من المؤكد الرئيس الأمريكي الذي تستحقه الصين.

إن ترامب على اعتقاد سليم بأن أمريكا بحاجة إلى إعادة توازن في علاقتها التجارية مع الصين، قبل أن تصبح أكبر من يتم مساومتها. فقد كان الأمر يحتاج لكرة بشرية مدمرة مثل ترامب للفت انتباه الصين. ولكن الآن وبعد أن أصبح لدينا ذلك، يتعين على البلدين أن يدركا مدى أهمية هذه اللحظة.

ويرجع تاريخ العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى السبعينيات وكانت العلاقات التجارية محدودة بعد استعادتها مرة أخرى في ذلك الوقت. وبعدها تركت الولايات المتحدة الصين كي تنضم إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، مما دفع الصين لتكون قوة تجارية بموجب القواعد التي ما زالت تمنح الصين الكثير من التسهيلات باعتبارها اقتصادا ناميا.

إن المفاوضات الجارية حاليا بين البلدين ستحدد كيفية تعامل أمريكا مع منافسيها الاقتصاديين بل وتنافس على صناعات القرن الحادي والعشرين نفسها، في وقت تتشايك فيه الأسواق تماما، وهذه المرة يخرج النزاع من إطاره التجاري التقليدي، لأنه أكبر من ذلك.

ولكي نصل إلى نهاية جيدة، يتعين على ترامب أن يتوقف عن طريقة تعامل المراهقين مع الصين عبر تويتر، وأن يكف عن الحديث عن أن الانتصار في الحرب التجارية أمر سهل، وأن يركز جهده على التوصل لآليات تمنحه الفوز في هذه الحرب التجارية، وأن يعمل على صياغة أفضل صفقة في هدوء من أجل إعادة التوازن. ربما لا يمكن حل كل القضايا دفعة واحدة، دون أن يعرقلنا التفكير في استمرار حرب الرسوم الجمركية إلى الأبد.

وسيتعين على الرئيس الصيني شى جين بينغ أن يدرك أن الصين لم تعد بحاجة إلى التمتع بالامتيازات التجارية التي كانت تحصل عليها على مدار الأربعين عاما الماضية. لذلك فإن الحكمة تقتضي أن يكبح جماح أفكاره القومية وينسى مقولته "لا أحد يخبر الصين بما عليها فعله"، وفي المقابل يبحث عن أفضل صفقة يمكنه الفوز بها. لأن بكين لن تتحمل انسحاب الصناعات الأمريكية- وغيرها من الدول- إلى أي مكان آخر بعيدا عن سلاسل التوريد الصينية.

ومنذ سبعينات القرن الماضي شهدت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة ثباتا إلى حد كبير، فقد اشترت أمريكا الألعاب الصينية والقمصان وأحذية التنس وأدوات آلية وألواح شمسية. بينما اشترت الصين فول الصويا ولحم البقر وطائرات البوينج. لكن الميزان التجاري اختل بصورة لافتة، لأن الصين نمت ليس فقط بالعمل المضني عبر بناء بنية تحتية ذكية وتثقيف شعبها، لكن أيضا من خلال فرض عمليات نقل التكنولوجيا من الشركات الأمريكية ودعم شركات القطاع الخاص الصيني، والحفاظ على الرسوم الجمركية المرتفعة، وتجاهلها لقواعد منظمة التجارة العالمية، وسرقة الملكية الفكرية. وفي النهاية استطاعت الصين أن تسترضينا من خلال شراء المزيد من طائرات البوينج وفول الصويا واللحوم.

لقد ظلت الصين تصر على أنها لا تزال "دولة نامية فقيرة" تحتاج إلى حماية إضافية بعد فترة طويلة من تحولها إلى أكبر منتج في العالم. وساهمت الولايات المتحدة بشركاتها وتعاونها في ظهور ثاني أكبر قوة عظمى في العالم وهي الصين، جنبا إلى جانب مع الولايات المتحدة كقوة عظمى أخرى، تسهمان في رفاهية البشرية وانتشار العولمة.

ثم حدثت بعض التغييرات التي لا يمكن تجاهلها، حيث أعلنت الصين أولا عن خطة التحديث المعروفة باسم "صنع في الصين 2025"، ووعدت بتقديم إعانات لجعل الشركات الصينية الخاصة والمملوكة للدولة رائدة في العالم في مجال الحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، وبرامج التعرف على الوجه، والسيارات الكهربائية، ورقائق الجيل الخامس اللاسلكية والمتقدمة.

وهذه الخطوة كانت طبيعية بالنسبة للصين التي تسعى إلى القفز من صفوف ذوي الدخل المتوسط وتقليل اعتمادها على الغرب في التكنولوجيا المتقدمة. وكل هذه الصناعات الجديدة ستتنافس مباشرة مع أفضل الشركات الأمريكية.

وإذا سمحت الولايات المتحدة وأوروبا للصين بمواصلة العمل بنفس الوتيرة التي استخدمتها في نموها وهزيمة الفقر للتنافس على جميع صناعات المستقبل، فإن ذلك سيكون ضربا من الجنون، وترامب محق في ذلك.

لكن ترامب مخطئ في جانب آخر، فالتجارة تختلف عن الحروب، وعلى عكس الحروب فإن النزاعات التجارية يمكن أن تنتهي بانتصار الطرفين. فمثلا شركات مثل علي بابا ويونيون باي وبايدو وتِنسنت وجوجل وأمازون وفيسبوك وفيزا، كلها قادرة على تحقيق الربح في وقت واحد، وقد فعلوا ذلك. لكني لست متأكدا من ترامب يستوعب هذه النقطة.

وأيضا لست على يقين بأن الرئيس الصيني يدرك ذلك الأمر أيضا. وعلينا أن نترك الصين تحقق أرباحا عادلة ومنصفة، كيفما يروق لشركاتها، لكن عليها أن تستعد أيضا أن تتكبد خسائر بنفس الطريقة. فمن يملك القدرة على القول إن جوجل وأمازون سيحققون مزيدا من الازدهار إذا ما أتيحت لهم الفرصة للمنافسة الحرة في الصين مثلما تعمل شركتي علي بابا وتِنسنت في أمريكا؟

وما حجم الأموال التي تستطيع الصين ادخارها لدعم شركاتها، عندما يسرق الجيش الصيني خطط شركة لوكهيد مارتين الخاصة بالمقاتلة إف-35 ومن ثم تصنع نسخة طبق الأصل منها، دون تحمل تكلفة البحث والتطوير؟

إننا نعيش في عصر "الاستخدام المزدوج"، و"كل ما يجعلنا أقوياء يجعلنا أيضا عرضة للخطر"، وهو ما أشار إليه جون أركويلا أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين في كلية الدراسات العليا البحرية. وعلى وجه الخصوص قال: "معدات الجيل الخامس كتلك التي صنعتها هواوي الصينية والتي يمكنها نقل البيانات والأصوات بسرعة فائقة، يمكن أن تكون بمثابة منصة تجسس، إذا مارست أجهزة الاستخبارات حقها بموجب القانون الصيني في مطالبة الشركات الصينية بالوصول لهذه المعلومات".

وعندما تتنافس هواوي على الجيل التالي من اتصالات الجيل الخامس مع شركات مثلVerizon  وAT&T وQualcomm (وهي أكبر شركات الاتصالات الأمريكية) سيصبح الجيل الخامس هو العمود الفقري الجديد للتجارة الرقمية والاتصالات والرعاية الصحية والنقل والتعليم. وعندما تصبح تقنيات الجيل الخامس ومعاييرها هي السائدة في دولة ما، من الصعب جدا استبدالها بتقنية أخرى.

لذا إما أن تجد الولايات المتحدة والصين طريقة لبناء مزيد من الثقة، بحيث يمكن أن تستمر على العلاقات وأن تنمو الدولتين معا في هذا العصر الجديد، أو لا يحدث ذلك، وفي هذه الحالة ستنهار العولمة.

تعليق عبر الفيس بوك