هل الحياة فيزياء؟

 

عائشة بنت أحمد سويدان البلوشية

عندما زرت -في كيمبريدج الرائعة- شجرة التفاح التي جلس تحتها نيوتن عام ٢٠١٤م، وتذكرت أنَّ هنالك العديد ممن يأتون إلى ذات المكان ويتعجبون من عقلية ذلك العبقري، وتلك اللحظة التي جلس فيها تحت الشجرة لتسقط التفاحة على رأسه، ولم يفعل مثل أي شخص عادي بأن يتخلص منها أو يقم بقضمها ويمضي في طريقه ليأكل بقيتها، بل خرج للعالم بقانون الجاذبية، فليس الجميع تستهويهم مادة الفيزياء، بل يصابون برهاب الامتحان بسبب صعوبة القوانين والمُعادلات، ولكن في الجانب الآخر هنالك عقول تحب التَّحدي، فتتشرب فهمها لتصبح آلية حل المعادلات وتطبيق القوانين أيسر من شرب الماء لديهم، المهم أنَّ القانون الثالث لنيوتن يقول: "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار/القوة/ الشدة، ومضاد له في الاتجاه"، قانون فيزيائي حفظناه عن ظهر قلب عندما كنَّا طلابا في الصف السادس الابتدائي -حينها-، وكنَّا نظن أنه يطبق على التجارب في المُختبر المدرسي وحسب، لنكبر ونجده حاضرا وبقوة في الكثير من أمور حياتنا.

 

امرأة اشتكت لها ابنتها أنَّ خالتها تسمعها كلاماً جارحاً كلما رأتها، فقالت لها: "إذا نهرتك فأخرسيها"، دار الزمان فكبرت ابنتها وتزوجت، وجاءت بأمر جعل أمها تنهرها بأمومة، فما كان من الابنة إلا أن أخرستها.

سيدة تزوجت رجلاً وثق في أنَّ حبها له لن يضمحل، فأصبح يخُونها كل يوم، وهي تعيش صحراء حياة قلبها معه، فرضخت أمام أول قطرات معسول لسان حيَّة على هيئة رجل، فانزلقت في الهاوية، ليتذكر هو أنَّه من حفر جحر الحية في جدار بيته بعد فوات الأوان، وكانت يمين طلاقها آخر كلمة يلفظها قبل أن يموت بسكتة قلبية، وهو لا يزال في مرحلة الاستيعاب.

حرما من الذرية سنوات طوال، ليرزقهما الله طفل أنابيب، دللاه وفرشا له أهدابهما مهجعا ومضجعا، بل أفرطا في تلبية كل أمر يصدر من سبابته، كبر وأصبح يافعاً ليُذيقهما ويلات الآهات والذل والضرب أمام أعين الجيران في الحي.

 

قال لها سأتزوجك وأجعلك أميرة عمري، وملكة عرش قلبي، فذهبت وهي الجامعية المُثقفة واقترضت له مبلغاً رباعي الأصفار، وتمكن من استلام الظرف وابتسم بخنزيرية مكتنزة قائلاً: لست أنا من يتزوج مثلك، لم تملك سوى ابتلاع غصة الصمت خوفًا من الفضيحة، فرزقه الله طفلة كبرت ووجدت في طريقها خنزيرًا آخر.

لكل فعل نقوم به في هذه الحياة رد فعل، قد يكون بالقول أو العمل، لكنه قد يختلف عن القانون الثالث لنيوتن في الجزء الثاني من المُعادلة، لأنَّ المقدار قد يتشابه وقد يأتي بأكثر من ذلك أضعافا مضاعفة، أيضًا قد يأتي مباشرة بعد الفعل ذاته، وقد يختزن الرد لبعد مدة من الزمن، وأقسى الردات تلك التي تأتي بعد زمن طويل، لأنَّ الإنسان يكون قد نسي ما فعله، ولكن كما يقول مثلنا العماني: "الضارب ينسى والمضروب ما ينسى". والطيب لا يعود إلا بالطيب، فما تغرسه من كلام طيب أو فعل جميل، حتماً سيرتد إليك حصادا غنيًا، لذا لننتقي اليوم ما سنجنيه مستقبلاً، لنبدأ بأنفسنا وهذا أمر لعمري عظيم، وأجره عند الله أعظم، لأن جهاد النفس ليس بالأمر اليسير، ثم نقوم بعد ذلك بإصلاح مُحيطنا ما استطعنا، ولنغرس في نفوس أبنائنا وأهلينا كل خلق كريم، فرسولنا صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، قال: "إنِّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". لنبدأ في هذه الأيام المباركة بمراجعة شاملة لأرشيف حياتنا قولاً وفعلاً، ولنحاول جادين أن نرمي من على أكتافنا أحمالاً لا زلنا نئن تحت ثقلها، ولنخرج إلى الدنيا برحابة صدر الواثق بربه، غير ظالم لنفسه ولا لغيره، من غير إفراط ولا تفريط.

الحياة ليست فيزياء فقط، بل هي مناهج نتعلم منها وفيها جميع المواد، وتستمر هي بامتحاننا كل يوم، وتظل تمنحنا الفرصة بدور ثان وثالث ورابع بتكرار المواقف مع تغيير الزمان أو المكان أو الشخوص، حتى نصل إلى النجاح أو الرسوب.

 

-------------------------------

 

توقيع:

"بِهِ سِحرٌ يُتَيِّمُهُ،،  كِلا جَفنَيكَ يَعلَمُهُ.

هُما كادا لِمُهجَتِهِ،، وَمِنكَ الكَيدُ مُعظَمُهُ.

تُعَذِّبُهُ بِسِحرِهِما،،  وَتوجِدُهُ وَتُعدِمُهُ.

فَلا هاروتَ رَقَّ لَهُ..  وَلا ماروتَ يَرحَمُهُ"

أمير الشعراء أحمد شوقي.