"فورين بوليسي": التعاطف السياسي مع إيران لن يدوم حال خرق الاتفاق النووي

ترجمة– رنا عبد الحكيم

ذكر تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن التعاطف السياسي من قبل الصين وروسيا والهند لن يدوم في حال تخلت طهران بالفعل عن الاتفاق النووي، بعدما أعلنت مهلة تهدد مع انقضائها بالخروج من هذا الاتفاق، وذلك ردا على العقوبات الأمريكية التي منعت هذه الدول من شراء النفط أو السلع الإيرانية.

ورد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تصعيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغط العسكري والاقتصادي على بلاده بأن طهران ستستأنف أجزاءً من برنامجها النووي، وهذا الرفض الجزئي للاتفاق النووي لعام 2015، تم تفسيره على نطاق واسع بأنه "صرخة" من أجل أن تقوم باقي الدول الموقعة على الاتفاق بعزل الولايات المتحدة دبلوماسيا والالتفاف على عقوباتها لضمان استمرار بيع النفط والسلع الإيرانية دوليا.

ومع ذلك، فبدلا من أن تعزز إيران علاقاتها مع القوى الدولية الأخرى، تمارس سلوكيات تقوض ثقة هذه الدول في الحكومة الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بالتزاماتها تجاه الاقتصاد الإيراني، وتضم قائمة هذه الدول المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وهددت إيران باستئناف أنشطتها النووية بعد مهلة 60 يوما ما لم تجد دول الاتحاد الأوروبي طريقة للالتفاف على العقوبات الأمريكية واستئناف العلاقات التجارية الطبيعية. لكن الشركات الأوروبية تبدو منخرطة بشدة في الأنشطة التجارية الأمريكية مقارنة بالنظام الإيراني.

وحافظت إستراتيجية أوروبا على التزام إيران بالاتفاق النووي حتى الانتخابات الأمريكية المقبلة والمقرر في عام 2020، مع احتمالية عدم فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية انتخابية ثانية، وقدوم رئيس آخر يمكن أن تثق به أوروبا والإيرانيون مرة أخرى لدعم الاتفاق. غير أن إيران أفسدت نهج الانتظار والترقب بتحديد مهلة الـ60 يوما، مما قوض دور أوروبا كحليف محتمل لطهران. ومع ذلك من المحتمل أن يكون الهدف الإيراني المتعمد من ذلك إدراكها التام بأن الاتحاد الأوروبي لن يتحدى السياسة الأمريكية علنا.

وتمثل هدف إيران- بدلاً من ذلك- في حشد المزيد من الدعم من قبل شركائها التجاريين، وبعضهم أقل ارتباطًا مع الولايات المتحدة. ويبدو أن إيران تريد تأسيس تحالف دولي جديد يركز على القوى الآسيوية الصاعدة التي ترغب في مواجهة- أو على الأقل تجاهل- الولايات المتحدة القومية والعدوانية الجديدة. ويشمل هذا التحالف الجديد الصين، التي تشتري بالفعل كميات كبيرة من النفط الإيراني، إلى جانب روسيا والهند، وقد زار وزير الخارجية الإيراني الدولتين في الأسابيع الأخيرة.

وانطلاقًا من المحادثات مع أحد كبار الدبلوماسيين الهنود والخبراء الروس والصينيين، فإن هذه الدول تلقي باللوم على ترامب وفريقه المتشدد في تهديد تماسك الاتفاق النووي، لكنهم قلقون للغاية من موقف الرئيس حسن روحاني الأخير، ويدركون تمامًا تداعيات أي توسع في الأنشطة النووية الإيرانية، فالقوى النووية نفسها، لديهم مصلحة خاصة في عدم انضمام إيران إلى ناديهم الحصري.

فالهند أول المتضررين من سياسة أمريكا تجاه إيران؛ حيث كانت تشتري النفط من إيران بأسعار أرخص بكثير من سعر السوق، لكن الآن قررت أنها ليست في وضع يسمح لها بتحدي الولايات المتحدة، لذلك فسوف تضطر إلى إنفاق المزيد لشراء النفط من الأسواق. ولدى الهند حاليا انتخابات مفصلية ولم تفصح عن سياستها في هذا الأمر. وعلى الجانب الآخر فإن الهند تستند إلى دوافع اقتصادية واستراتيجية للحفاظ على علاقات جيدة مع إيران  بالرغم من توقفها عن شراء النفط منها؛ فالهند هي الوحيدة القادرة على احتواء بكين وتحجيم تنامي نفوذها، ولعل أكبر مصلحة إستراتيجية لها في إيران هو ميناء تشابهار.

بيد أنه- ووفقا لأحد كبار الدبلوماسيين- فإن أولويات الهند تتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. وقال الدبلوماسي إن إمكانية امتلاك طهران لسلاح نووي تجعل الهند تشعر بأنه وضع "غير مريح للغاية". وأضاف: "عندما أوقفت الولايات المتحدة إعفاءات من العقوبات الإيرانية (والتي تتضمن السماح للهند بمواصلة شراء النفط من إيران)، اعتبرته الهند قرارا أحادي الجانب". وتابع قائلا: "لكن الآن، إذا تخلت إيران عن الاتفاق النووي، فإن الدعم المعنوي لإيران قد يتبدد بسرعة ليس فقط من جانب الهند بل من جانب أطراف عدة في العالم. فتعليقات روحاني لا تخفف المخاوف الهندية بل تضيف إليها".

من جانبها، قدمت روسيا دعما جزئيًا لإيران لموازنة الهيمنة الأمريكية في الشؤون العالمية، فعندما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو موسكو لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، أوضحت روسيا أنها تحمِّل الولايات المتحدة مسؤولية أي خرق للاتفاق النووي. ففي حديثه للصحافة الروسية، أعلن- صراحة- فلاديمير إرماكوف مدير إدارة حظر الانتشار النووي والحد من التسلح بوزارة الخارجية الروسية أن: "واشنطن هي المسؤولة".

وقال نيكولاي كوزانوف الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بموسكو إن روسيا في الوقت الراهن لم تأخذ تهديدات إيران على محمل الجد، وأضاف: "إنها الثقافة السياسية في إيران هي توجيه تهديدات قوية ثم التراجع عنها لاحقًا".

أما الصين وهي القوة الشرقية الأخرى التي تعتمد عليها إيران، فقد اتخذت علنا موقفا مواليا لإيران. وكشف أحد المصادر أن الصين تخطط لزيادة مشتريات النفط من إيران باستخدام السوق السوداء وشراء النفط مباشرة من خلال عمليات النقل في البحر باستخدام بعض الحيل البحرية. وقال شين دينجلي وهو صوت صيني بارز في العلاقات مع الولايات المتحدة وأستاذ بجامعة فودان بشنغهاي إن استمرار الصين في شراء النفط الإيراني كان يهدف بشكل ما إلى منعه من "التوغل". ويرى أحد الخبراء أن الصين يمكن أن تطرح أفكارا مبتكرة مثل إرسال عدد كبير من السياح إلى إيران لتخفيف "العدوان" الأمريكي. فلا توجد عقوبات أمريكية على السياحة، والصين بلد سكانه يزيد عن مليار شخص. وفي نفس الوقت فالصين مثل الولايات المتحدة لا تريد لإيران أن تمتلك سلاحا نوويا، لكن استراتيجيتها مختلفة.

واختتم التقرير بالقول إن ءروسيا والصين والهند تتفهم إحباطات إيران، لكن هذه الدول في النهاية تقف مع أوروبا في خندق واحد، فهم لا يشعرون أنهم يستطيعون فعل ما يكفي لحماية مصالح إيران الاقتصادية في مواجهة العقوبات الأمريكية مقابل المجازفة بمصالحهم الخاصة، فهم لا يرغبون في القيام بذلك. وأكد التقرير أن التعاطف السياسي مع إيران لا يكفي ليتخطى المصالح الاقتصادية لهذه الدول. وبنحو ضئيل من القدرة على التأثير في السياسة الأمريكية، فإن كل ما يمكنهم فعله هو دعوة إيران للمضي قدماً وإبقاء الاتفاق على قيد الحياة، على أمل أن يتم استعادته في يوم من الأيام أو إعادة التفاوض عليه.

تعليق عبر الفيس بوك