إشارات إيرانية إلى "طرف ثالث".. والتاريخ يحذرنا من "مستصغر الشرر"

"اللهو الخفي" يعيد إنتاج "حرب ناقلات النفط" في مياه الإمارات

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي

في عدد الأحد؛ نشرنا في "الرؤية" تقريرا عن التصعيد الأمريكي الأخير ضد إيران؛ متسائلين ومحذّرين: هل ينتهي التحريض الإعلامي الإقليمي إلى إعادة إنتاج نسخة جديدة من حرب ناقلات النفط التي دفع الجميع ثمنها ضمن ويلات الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي؟ وبعد أقل من 48 ساعة جاء الرد بأسرع مما يتوقعه أحد: الإمارات تعلن تعرض 4 ناقلات من جنسيات مختلفة للتخريب في مياهها الاقتصادية؛ والسعودية تؤكد تخريب 2 من ناقلاتها ضمن العملية وتتضامن مع الإمارات في جميع ما تتخذه من إجراءات لحفظ أمنها ومصالحها؛ وسرعان ما اتجهت الأنظار – بنوايا الاتهام – إلى إيران؛ التي سارعت بدورها إلى التبرؤ من العملية برمتها؛ مع إشارة إلى احتمال تورط "طرف ثالث" بهدف زعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن إمدادات النفط العالمية.

العشرات من التصريحات وبيانات التضامن التي صدرت منذ الساعات الأولى من فجر أمس اتفقت على إدانة "الهجوم" ومرتكبه "المجهول"؛ وإن كانت بعض النوافذ الإعلامية الممولة إقليميا ودوليا قد ألمحت بأكثر من صيغة إلى اتهام إيران بارتكاب هذه الأعمال التخريبية؛ وكأنها بذلك تقدم خدمة مجانية سعت إليها الولايات المتحدة بعد تحريك حاملات طائراتها وقاذفاتها إلى مياه الخليج؛ حيث تساءل العالم عن الدافع وراء هذا التصعيد الأمريكي غير المبرر؛ فاكتفى الأمريكان بعبارات غير واضحة وتوقعات غير موثقة كتلك التي استخدموها في الحشد والتبرير لغزو العراق قبل سنوات؛ ومن ذلك بيان لإدارة البحرية الأمريكية صدر في وقت سابق هذا الشهر قالت فيه إن السفن التجارية الأمريكية بما في ذلك ناقلات النفط التي تبحر عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط "يمكن أن تستهدفها إيران" ضمن عدة تهديدات تشكلها طهران للمصالح الأمريكية؛ لذلك قالت واشنطن إنها سترسل حاملة طائرات أمريكية وقوات أخرى إلى الشرق الأوسط لمواجهة ما وصفتها بالتهديدات الإيرانية.

فهل ارتكب "اللهو الخفي" هذه الأعمال التخريبية ليؤكد ما سبق وتوقعته – أو زعمته – الولايات المتحدة؛ مبررا تصعيدها بشكل عملي أمام القوى العالمية؟ و"اللهو الخفي" تعبير ساخر مشهور في أفلام ومسرحيات قديمة؛ يستخدم في الإشارة إلى فاعل مجهول؛ أو هكذا يبدو. وهو تعبير يتفق أيضا مع الصيغة التي استخدمها رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، في تعليقه على الأحداث بقوله إن "مخربين من دولة ثالثة" قد يكونون وراء الهجمات التي وقعت قرب ميناء الفجيرة في الإمارات، بهدف زعزعة استقرار المنطقة، معتبرا أنها دليل على "الأمن في جنوب الخليج هش". كما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي هذه "الحوادث" بأنها "مقلقة ومؤسفة ولها تأثير سلبي على أمن الملاحة البحرية"، وطالب بتحقيق لكشف ملابساتها، مطالبا دول المنطقة "بتوخي الحذر من مؤامرات لزعزعة الاستقرار من قبل عناصر أجنبية".

أكدت الإمارات أنه لم ينتج عن العمليات التخريبية أي أضرار بشرية أو إصابات، كما لا يوجد أي تسرب لأي مواد ضارة أو وقود من هذه السفن؛ وعلى المستوى الرسمي لم توجه اتهامات مباشرة؛ وربطت ذلك بانتهاء التحقيقات بالتعاون مع "جهات دولية"؛ فمن يضمن حياد هذه التحقيقات وعدم استخدامها من الجانب الأمريكي تبريرا للضغوط الأمريكية التي ربما تسحب المنطقة إلى مواجهات مباشرة لا تتحملها المنطقة في مثل هذه الظروف؛ ولسنا في حاجة إلى تأكيد أن "معظم النار من مستصغر الشرر"؛ لذلك حذر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، من مخاطر نشوب مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. واستخدم الرجل صيغة بالغة الدلالة وتتفق مع ما نشير إليه هنا؛ في قوله: (نحن قلقون للغاية من خطر نشوب صراع عن طريق الصدفة مع تصعيد غير مقصود).

قالت الرابطة الدولية للملاك المستقلين لناقلات البترول (إنترتانكو) إنها اطلعت على صور تظهر أن "سفينتين على الأقل بهما فتحات في جانبيهما نتيجة إطلاق نار". كما قالت شركة توم لإدارة السفن إن هيكل ناقلة منتجات مسجلة في النرويج لحقت به أضرار جراء جسم غير معروف، وأضافت في بيان أن "ربان الناقلة أندريا فيكتوري أبلغ بأن الطاقم لم تلحق به أضرار ولكن هناك فتحة في منطقة من بدن السفينة ناحية الخزان الخلفي. والناقلة ليست معرضة لخطر الغرق". فهل كانت قدرات "الفاعل المجهول" لا تساعده على إغراق الناقلات؛ أم أن الغرض كما يقول محللون "جس نبض الموقف الدولي"؛ وربما الاكتفاء بتوجيه الاتهام لطرف محدد دون إحداث خسائر واسعة.

روّجت النوافذ الإعلامية المحرضة لتصريح الدبلوماسي الأمريكي السابق آدم إيرلي، وقوله المرسل بأن الهجمات تحمل "بصمات إيرانية"، مضيفا: "أعتقد أن الولايات المتحدة والإمارات هما حليفان وثيقان جدا، لذلك فإن هذه الهجمات ضد السفن سيتم التعاطي معها من واشنطن كعمل ضد الولايات المتحدة، وليس ضد حرية التجارة والملاحة الدولية فقط. يجب أن يكون هناك إجراء ضد هذا الهجوم، لأن هذا يعد اختبارا لنا، فإما أن نرد عليه وفي هذه الحالة نكون قد اجتزنا الاختبار، أو لا لا نرد فسنكون قد أخفقنا".

فهل تتفق تصريحات السفير الأمريكي السابق مع بيان البحرية الأمريكية الذي يبدو وكأنه كان في انتظار وقوع هذه الأعمال لتبرير التحرك الأمريكي الأخير؟ وهل جاءت العملية لوضع إيران في موقف الدفاع عن سمعتها؛ خصوصا أمام شركائها في الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترامب؟ هل يستفزهم تصريح مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني وقولها إن الاتحاد لا يزال يدعم تنفيذ الاتفاق النووي الدولي مع إيران دعما كاملا بكل الوسائل وبإرادتنا السياسية؛ وذلك بالتزامن مع تأجيل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو زيارته إلى موسكو، أمس؛ ليزور بروكسل بهدف بحث "مسائل ملحة" مع المسؤولين الأوروبيين، وعلى رأسها بطبيعة الحال الملف الإيراني. وبالتزامن أيضا مع اجتماع مجلس شؤون الاتحاد الأوروبي في بروكسل لبحث مستجدات الأزمة، بمشاركة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، الدول الأوروبية الثلاث التي سبق ووقعت الاتفاق النووي الإيراني في 2015.

على كل حال؛ وأيا كانت هوية "اللهو الخفي"؛ فقد بدأت تأثيرات التصعيد الأمريكي في الظهور بارتفاع أسعار النفط أمس مع تداول العقود الآجلة لخام برنت؛ وهبوط مؤشر بورصة دبي 1.6 في المئة ومؤشر بورصة أبوظبي 1.7 في المئة في التعاملات المبكرة أمس؛ والباقون ليسوا في حصانة.

 

تعليق عبر الفيس بوك