"جارديان": الحرب التجارية معركة بين الشعبوية وتداعيات العولمة

ترجمة- رنا عبد الحكيم

قالت صحيفة جارديان البريطانية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلط الضوء على بعض الأخطاء في التجارة العالمية، لكن حربه التجارية ضد الصين لن تسهم في معالجة هذه الأخطاء.

وطيلة حياته العامة عارض ترامب اتفاقيات التجارة الحرة، وعندما ترشح لرئاسة الولايات المتحدة مثلت رسالة "الحماية التجارية" نقطة أساسية في برنامجه الانتخابي، وخلال حملته الانتخابية وعد بتغيير اثنين من أسوء الموروثات في سنوات كلينتون، وهما اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" والثانية انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية.

وبالفعل توصل ترامب إلى اتفاق تجاري جديد توسطت فيه كندا والمكسيك، وعلى الرغم من عدم وضوح تلك التغييرات وما إذا كانت مؤثرة أم أنها ظاهرية وحسب، فقد أشاد ترامب باتفاق نافتا الجديد باعتباره "تاريخيا".

وعلى ما يبدو أن ترامب قرر أن "الحروب التجارية سهلة الفوز"، فقد ظل منذ شهور في طريقه نحو معركة مع بكين، لكن المشكلة هذه المرة أن الصين ليست مثل المكسيك أو كندا. فالصين يقودها زعيمها الأقوى منذ عقود شي جين بينج، وعلى اعتاب صفقة بين واشنطن وبكين، مزقت الصين النص التفاوضي الذي استخدمته الدولتان كمخطط لاتفاق تجاري شامل. ورداً على ذلك زادت الولايات المتحدة من الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية بقيمة 200 مليار دولار، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب تجارية شاملة، قد تتسبب في خفض التجارة العالمية بنسبة 2% مع تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.8%.

وكلتا الدولتان ترفضان تقديم أية تنازلات، ورغم ذلك ترى الصحيفة أنه ينبغي على كل منهما ضرورة التفكير في الابتعاد عن ساحة المعركة لعدة أسباب. فالصين تنظر إلى اتفاقيات التجارة العالمية الحالية على أنها ساعدت في صعودها الاقتصادي، وكان الهدف من ضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية أن تصبح "اقتصاد سوق" على النمط الغربي. لكن الصين حولت بسرعة المزارعين الفقراء إلى عمال في المصانع التي تستهدف طرح منتجات للتصدير، مما حفز النمو وساهم في الحد من الفقر. وأدى ذلك إلى تراجع تكلفة الإنتاج الصيني وظهور نوع من عدم المساواة بين الدول المصدرة، إذ حصل المستهلكون على سلع أرخص بينما يتحمل العامل الصيني الجزء الأكبر من التكاليف. والحقيقة المزعجة تمثلت في أن فوائد التجارة تنتشر على نطاق واسع، بينما تتركز خسائرها في مجموعات أكثر فقراً وأقل مهارة. وفي الغرب تمثل هذه القضية حجة ملائمة، تسمح للسياسيين أمثال ترامب أن يشيروا إلى الأجانب مثل الصينيين والمكسيكيين على أنهم مصدر الأزمة.

وتقول الصحيفة إن العولمة- في شكلها الحالي- غالبا ما تفشل في أن تحقق العدالة، أو تعزز الكفاءة الاقتصادية للدول، إذ من المحتمل أن تُفقد الوظائف لصالح منافس تتنافس قوته العاملة بموجب نفس القواعد، لكن هناك وضع آخر مختلف وهو استفادة المنافس من معايير العمل أو البيئة أو الضرائب أو السلامة في البلدان الأخرى. فقد أصبح العمال الذين فقدوا وظائفهم نتيجة للممارسات "غير العادلة" بمثابة قنبلة سياسية، قد تنفجر في أي لحظة. وتنقل الصحيفة عن داني رودريك من جامعة هارفارد مقولته الشهيرة بأن هناك روابط قوية بين صعود الحركات الشعبوية وتداعيات العولمة.

فجذور الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين منبعها أحد أوجه العولمة التي تُجبر البلدان على فتح اقتصاداتها أمام الشركات الأجنبية دون اعتبار يذكر لكيفية إدارة العواقب الاجتماعية الناتجة. فما تعتبره بكين سياسات معقولة مطلوبة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتقدم التكنولوجي، تقول واشنطن إنها حواجز "غير جمركية" لشركاتها.

وتؤكد صحيفة جارديان أن قواعد التجارة في العالم تحتاج إلى إعادة كتابة حتى تتمكن اقتصاداتها التجارية من التقدم دون مخاطر، من خلال السماح بحرية أكبر للبلدان لمتابعة استراتيجيات "التجارة العادلة" التي تناسب اقتصاداتهم ومجتمعاتهم. ففي الدول الغنية، يجب حماية أسواق العمل من الإغراق الاجتماعي وسيطرة التكنولوجيا. ويجب أن تكون الدول النامية قادرة على تنفيذ استراتيجية اقتصادية مستقلة. وعندما تهدد التجارة بإضعاف المعايير الاجتماعية الراسخة- سواء في قطاع العمل أو المجال البيئي- فيتعين وضع آلية لمعالجة أية اختلالات تنجم عن ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك