نهائي إنجليزي!

حسين بن علي الغافري

اتَّضَحت ملامح القمَّة الأوروبية في نهائي دوري أبطال أوروبا بمواجهة إنجليزية بحتة، عشنا فصلين من فصول الإثارة والندية المُمتعة في عالم المستديرة. توتنهام تجاوز مطب أياكس الصعب، ووضع حدًّا للحصان الأسود في بطولة هذا العام، مباراة مجنونة في كل تقلباتها، وكانت وفيّة للإثارة حتى الرمق الأخير. وقبل ذلك، شاهدنا 90 دقيقة مليئة بحبس الأنفاس في مباراة ليفربول الإنجليزي وضيفه الثقيل برشلونة، والرغبة الجامحة في صنع ما يمكن صنعه، وتعويض خسارة الذهاب العريضة إلى فوز أعرض. استمتعنا بوجبة رمضانية دسمة أثبت الإنجليز في الأخير قوة حضورهم وكسر التربع الإسباني في نصف العقد الأخير.

لم أكن أتوقع أن تتحوَّل تجليات كرة القدم من فريق فائز بثلاثية وقاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى النهائي، إلى هزيمة قاسية بالحجم الذي شاهدناه، فنتيجة ثلاثة أهداف يحققها برشلونة صعب جدًّا أن تراه لقمة سائغة، أو يفرط في النهائي أمام أعين لاعبين كبار مثل ميسي وسواريز وبيكيه والبقية. ناهيك عن أن الريدز خسر أهم لاعبين في الفريق بغياب الفرعون المصري محمد صلاح والبرازيلي فيرمينو؛ وبالتالي أهم أركان المقدمة والرهان الأكبر للألماني يورغن كلوب غير حاضرين. وبالمختصر المفيد، ليفربول قدم لقاء ذهاب على أعلى مستوياته رغم خسارته بثلاثية نظيفة. صحيح أن برشلونة فاز بثلاثة أهداف ولكن من تابع اللقاء يدرك أنه لا توجد خطط فنية واضحة للفريق، الثلاثة أهداف جاءت كلها عن طريق اجتهادات فردية وقدرات استثنائية لميسي وسواريز.. عدا ذلك فبرشلونة عانى الأمرين في أرضه.. لم يقدم ما هو مأمول منه من ناحية الأداء، بالإضافة إلى توفيقه بعدم تسجيل هدف في شباكه وقتما كان الريدز يصل مرمى الحارس شتيغن طوال اللقاء.

انكشفت عيوب برشلونة في لقاء الإياب، فأمطره ليفربول برباعية دون ردة فعل واضحة تلملم الأوراق وتعيد بصيص الأمل إلى جماهيره، ولعلي أُحمّل المدرب فالفيردي جزءا كبيرا من هذا السقوط الأليم وجزءا آخر للاعبين، فالمدرب تعامل مع اللقاء كأنه تحصيل حاصل، وركن إلى الهدوء والبقاء داخل منتصف الملعب. الفريق لم يطمع بهدف يقتل طموح رجال كلوب، لذلك حتى مع تلقيه هدفين كانت الخطة البقاء في الخلف، وتبديلاته لمسك زمام اللقاء وحد خطورة الريدز. عموماً أفضلية ليفربول كما ذكرنا منحته أجدرية النهائي.

في الجانب الآخر، لم تكن قمة ملعب يوهان كرويف في أمستردام إلا متعة كروية أخرى، توتنهام تميّز بالهدوء والعقلانية وعدم الارتباك خصوصاً وأنه كان بحاجة إلى الهجوم المبكر، ومع ذلك تلقى هدفين أوليين. وهنا تظهر الجودة والقوة النفسية الحاضرة، فعودة توتنهام إلى اللقاء وعدم استسلامه دلالة واضحة على مدى الحضور النفسي والتهيئة الجيدة التي عمل عليها الأرجنتيني بوكاتينهو. ولعل البطولات الإنجليزية التي تخوضها الأندية في إنجلترا سبب كافٍ لرؤية نهائيين في أبطال أوروبا والدوري الأوروبي. الأمر الذي يوحي بأن الراحة وضعف المنافسة ولو كنت تملك نجوم العالم لا تكفي. فالمباريات القوية والندية في صراع البطولات وسخونة المواجهات الأسبوعية دافع حقيقي في كشف مكامن العيوب والوقوف عليها ودراستها، وهو ما يحدث في إيطاليا وفرنسا وألمانيا على سبيل المثال في تربع لنادي واحد بشكل مستمر وبدرجة أقل في إسبانيا!