استدامة الحلول خيرٌ من العطايا

 

غسان الشهابي

عملت قبل حوالي 20 عاماً في مؤسسة رسمية، كان فيها 2000 موظف، وكانت تصدر مجلة داخلية شهرية تصل قيمة إنتاجها إلى 2000 دينار، فلما سمع أحدهم بقيمة إصدار المجلة تبرّم قائلاً: "لِمَ لا يوزعون علينا قيمتها بدلاً من هذا الهدر؟!"، فأجبته: "أي يحصل في النهاية كل موظف على دينار واحد؟! أو 12 ديناراً في العام؟".

تذكرت هذا الحوار القديم، وأنا أطالع ما يصدر عن النواب هذه الأيام، بعضهم يقول أوقفوا المشاريع وأعطوا الناس، لا تبنوا مجلساً جديداً بأربعة ملايين دينار وأعطوا الناس، لدينا "ريتزنا" فهاتوا من نحبسهم حتى يفادوا أنفسهم ويفكوا رقابهم ويدفعوا، ولنسحب من صندوق بدل التعطل مجرد 90 مليون دينار ونعطيها الشعب... ما المشكلة؟

المشكلة أن هذا الترقيع لا يحل المشكلة، ولا يعبر عن رؤى ناضجة وعميقة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية، والأوضاع المتردية، فشعب البحرين لا يحتاج "تبرّعات"، فالكل يحفظ مقولة "بدلاً أن تطعمني سمكة... علمني كيف أصطادها"، وهذا يدعو إلى "ثورة" إنتاجية في كافة القطاعات، وتنميات شاملة في القطاع الخاص ليستوعب وينتج ويتقدم، فالأفواه المفتوحة ستظل تطلب اللقمة السهلة، وبدلاً من ذلك على الجهات جمعيها، ومجلس النواب في صفّها الأول، أن يهزّ الناس هزّاً ليوقظهم من لذيذ الخدر الذي تتمرغ فيه شرائح من الشعب لم يقرصها الجوع والحرمان والضنك بعد، مع أن القطار يسير بسرعة جنونية متجها إلى الجدار، ويعاني من شحّ السيولة، والدّعامات الخليجية المستمرة، والبطالة الآخذة في تقطير المرارة في أفواه الشباب وذويهم... والكثير من المسائل التي لا حاجة للتذكير بها في كل مرّة، وهذه جميعها لن ينقذها وقف توسعة شارع، ولا تجميد مشروع ببضعة ملايين، فهذه "البضعة" قد تسدّ شرخاً في الجدار، لكنها لا تدفع لإغلاق بوّابات الملفات الكبرى.

إنَّ الغالب على قماشة مجلس 2018 هو الاستقلال، وهذا ما قد يُستثمر لمنع تبادل وضع العصيّ في العجلات بين الجمعيات المتنافسة، وفي المجلس كفاءات، وهذا أدعى لأن يتعاون النواب مع مستشارين حقيقيين، من هذا البلد، مواطنين ومقيمين، يعرفون دقائق الأمور وخصائض المجتمع وطبيعة البشر، وما ينفع وما لا تحمله قدمان من مقترحات وحلول، لتقديم مقترحات عميقة ومتكاملة ومستدامة، قائمة على البحث العلمي والخبرات العلمية والعملية في إصلاح الاقتصاد، بدلاً من "أعطوا" و"وزّعوا".