من له الحق في مناقشة هوكينج؟

 

 

إدريس هاني

 كاتب وفيلسوف عربي من المغرب

العالم الفيزيائي البريطاني ستفين هوكينج ليس بليدًا، ولا المقرئ بأذكى حتى من العثماني من جماعته السلفية الظلامية، فضلا عن نَعت كبير الفيزياء الحديثة والفلك بالحمار.. إنَّهم يُسِيؤون للدين والعلم بقفزاتهم اللاأخلاقية وفرعنتهم.

لكن علينا أن نعذُر أمثال هؤلاء لأنَّهم يكرهون الرياضيات، ويفرون من الفيزياء كالحمر المستوحشة.. معذورون لأنهم لا يفهمون كمية الذكاء الذي تتطلبه عملية تفكّر علمية واحدة، لنعذرهم، كُنّاشيون وجدليون وبهلوانيون، كان بالإمكان قراءة موقف هوكينج من داخل الفيزياء نفسها، وليس برشقه بآخرين بناء على مغالطة السلطة والتناظر... وغيرها مما يدخل في الجدل غير المنتج.

يصف داعية -كل ما لديه محفوظات وترديدات وسرقات أدبية- ستيفن هوكينج بالأبلد من الحمار، بينما وصف نفسه بأنه أذكى منه.. مسبقا ليس لديَّ من الوقت ولا المزاج أن أعرف قدر هوكينج من خلال حكم قيمة من داعية يجهل الرياضيات، ولكنَّ العبارتين اللتين يتحدث فيهما عن أنَّ تساؤلات هوكينج عما قبل الكون ترتبط بالزمان والزمان لا وجود له قبل الكون (ههههه)؛ المضحكة الأولى هي أنَّ المقرئ الداعية الجاهل بالفيزياء سيعلم هوكينج معنى وقيمة الزمن الفيزيائي. المضحكة الثانية: هي أنَّ المقرئ وهو يقول لا وجود للزمن قبل الكون يحمل مفهومًا آخر، وهو أنه يمنح الزمن وجودا حقيقيا بعد الكون، فما هذا الهراء والغباء؟ هل هوكينج وقبيلة النسبويين وخبراء الكوانتوم ينظرون للزمن حتى بعد الكون كزمانٍ حقيقي؟ هذه ضريبة الجهل بالفلسفة والفيزياء الحديثة. إنَّ الزمن بلغة الحكماء هو اعتباريّ، بل وفي زواريب فيزيائية معينة ينتفي الزمن، بل إنَّ هوكينج كاد يؤمن بالسفر في الزمن لولا أن رآه غير عمليّ، وإن أقرّ نوعا ما بصحته فيزيائيا.. في أي مستوى إذن تتم هذه الإدانة؟

لا شكَّ أنّ موقف هوكينج غريب في بعض المواقف التي أعتبرها جزءًا من إرادة الاعتقاد وفق المفهوم ذاته لوليام جيمس، كثيرة هي الأشياء التي أعتبرها ممكنة ولم يؤمن بها، ولكن لا يُمكن مناقشته بهذا التبسيط.

ينطلقُ المقرئ كداعية من خلفية رائجة، وهي أنَّ الإيمان يُدرك بالفطرة، والفطرة في نظر القوم كافية للإيمان، .وهي في الحقيقة فكرة تيمية، وراجت كثيرا لأنَّها تتناقض حتى مع الحكمة من البعثة باعتبارها ليست عبثا، وإنما لطفًا لإثارة دفائن العقول بمواترة النبوات؛ فالإنسان قد لا يعرف ربَّه إذا ظل وحده، لا سيما في ظلِّ التطور غير الطبيعي للعقل نفسه، والثغور التي تُحيط بالعقل والفطرة والخيال.. ويبقى أنَّ موقف المقرئ ليس فيه تبسيط علمي في مجال الفيزياء فحسب، بل حتى في مجال الثيولوجيا أيضا، وهم يمثلون نموذجا سيِّئا للإيمان، فلو كانوا هم الطريق إلى الله لأضلوا جِبلًّا كثيرا، وهم في حد ذاتهم كسرّاق الله دليل على أنّ الإنسان قد لا يعرف ربه إذا صادف هذه الملّة التي تحمل ملامح ديابوليكية.. قُلت إنَّ هوكينج يجب أن يناقشه رجل فيزياء وحكمة متعالية وليس داعية بالجلاّبة والقب.

تعليق عبر الفيس بوك