هل من جدوى للمؤتمرات!

 

محمد بن رضا اللواتي

في الاستراحة التي أعقبت الساعة الأولى من أعمال مُنتدى عُمان للقيمة المحلية المُضافة، والتي أقامتها جريدة الرؤية تحت مبدأ "إعلام المبادرات" الذي ترفد به، منذ تدشينه قبيل نيف وسبعة أعوام، المجتمع العُماني بمجموعة من المبادرات، والتي ما كان الإعلام العماني قد شهدها فيما سبق من تاريخه، وكان الغرض الرئيس من هذا المنتدى تحديدًا، والذي أتى في نسخته الثانية، هو الدعوة إلى "وضع استراتيجية وطنية للقيمة المحلية المُضافة"، ذلك لأنه لا بد للسلطنة أن تكون لها خطط لمنع "طيران" هذا الإنفاق الذي تصرفه بعيدا، وبتمامه، دون أن تستفيد بجزء منه على الأقل، فتعمل على إبقائه في البلد، لأجل تنمية الاقتصاد الوطني.

أقول: في الاستراحة الأولى، همس في أذني زميل، متسائلاً ما إذا كانت ثمة جدوى تُرجى من مثل هذه المنتديات والمؤتمرات، طالما أنَّ الجهات المعنية لا تأخذ بالتوصيات والتي وكأنها- بالنسبة لها ووفق منظورها- إلى التنظير أقرب منها إلى مُقترحات لأجل التغيير إلى الأفضل؟

حينها، لم يسعفني ذهني بجواب أقدمه عن تساؤله التشاؤمي، ربما بسبب الانشغال في قضم ما تبقى من الكعك مصحوبًا برشفات القهوة الصباحية، ولكن ومع مرور الوقت، وتكاثف طرح الأوراق، وانعقاد جلسات النقاش، تكونت في ذهني إجابة، وفوراً بدأت بالبحث عنه بين الحضور لأعرضها عليه، وفعلاً وجدته وهو يهم بالمشاركة عبر هاتفه في اختيار أسرع إجراء ينبغي القيام به لجعل مبدأ القيمة المحلية المُضافة في طور التنفيذ وبالنحو الفوري.

أفضل إجراء؟ وعبر الهاتف؟ ما الذي يحدث؟ وددنا مزيدا من التوضيح رجاء!

حسناً، إذا راود القارئ -الذي لم يكن حاضرا أعمال المنتدى- هذا الطلب فله ذلك.

في الواقع، فإنَّه في الجلسة النقاشية الأخيرة، طلب مدير الجلسة من الحضور أن يُشارك برأيه بالإجابة عن تساؤل وهو:

  • ما الذي يتعين فعله الآن وفورا لأجل أن تصبح عملية القيمة المحلية المُضافة في حيز التنفيذ؟ وكان على الحضور أن يشاركوا في اختيار المُقترح الأفضل، وعبر هواتفهم الذكية، بين المقترحات الثلاثة التالية:
  1. تعديل بنود العقود والمشتريات لتتضمن خُطة القيمة المحلية المُضافة بنحو عاجل؟ نال هذا المقترح 48% من الأصوات.
  2. أم إسناد الإشراف على تطبيق خطط القيمة المحلية المضافة إلى جهة مركزية كما هو الحال في البرازيل مثلاً، فهناك تتواجد هيئة مستقلة تمامًا لتحقيق هذا الغرض الحيوي وتتبع رئيس الحكومة مباشرة؟ وتقوم هذه الجهة المركزية بالمطلوب؟ نال هذا المقترح 36% من الأصوات.
  3. أم تخصيص موظف في كل وزارة وشركة لتنفيذ خطط القيمة المحلية المُضافة؟ لم يحظ هذا المقترح إلا بمقدار 10% من الأصوات فقط.

سألت الزميل المتشائم عمَّا وقع عليه اختياره، وكنت بالكاد أجزم أنه اختار الثاني، فرد يقول هيهات! برر رده بقوله إنه ولكي تتأسس جهة مركزية معناه أن علينا الانتظار لعدة سنوات أخرى. ولعلهم يأتون برئيس من إحدى الهيئات أو اللجان الحكومية – والكلام له – كما هو دأبهم، فالمراكز مخصصة لنفس الأشخاص والأسماء، تُلف وتُدار هنا وهناك، وكأنما جفت الدماء العمانية الشابة والحارة عن العطاء والإبداع بالمرة.

على كل حال، فلقد اختار زميلي المقترح الأول، ورآه قابلا للتنفيذ الفوري، واعترف لي بأنه ما كان منتبهاً إلى أهمية التخطيط لتنفيذ هذا المبدأ الحيوي الهام، حينها أسرعت مقاطعاً لحديثه قائلا له بأنك الآن قد أجبت عن التساؤل الذي طرحته عليّ هذا الصباح وهو: "هل من جدوى تُرجى لمثل هذه المنتديات والمؤتمرات"؟

حملق لثوانٍ في وجهي وقد أدرك بذكائه ما الذي أرمي إليه.

إنها التوعية! توعية المُواطن بأهمية التخطيط لأجل حفظ الإنفاق داخل البلد ليعود إلى إنعاش الاقتصاد، عبر التحسين من جودة المنتج المحلي وتطوير المورد البشري الوطني. أليس هذا الغرض مجديا تُبذل من أجله الجهود؟ هذا الذي تستهدفه جريدة "الرؤية" في كل منتدياتها ومؤتمراتها، الأمر الذي أدركه رعاة أنشطتها تلك، لذا تراهم يقفون بجوارها دائمًا، رعاة وداعمين.

قهقه الزميل الذي يمكنني وصفه بالمتشائم من الطراز الأول وهو يقول لي بأنكم في جريدة "الرؤية" تعملون على زيادة عدد "المغردين" لا غير، لكني أجدني أختلف معه، "فالمغرد" إما أن يكون طالبًا جامعياً، وإما أن يكون موظفاً أو مسؤولاً في مؤسسة كبرى، أو مالكا لمؤسسة صغيرة أو متوسطة، وهذه المواقع زاخرة بفرص التخطيط لمستقبل اقتصادي أفضل، بتبني إستراتيجيات القيمة المحلية المضافة.

عمانيون كانوا أولئك- وليكن من ساعدهم أجانب- الذين عملوا في "شركة تنمية نفط عُمان" الرائدة في هذا المجال وفق استراتيجية طموحة، على التخطيط لتنفيذ هذا المبدأ الاقتصادي الحيوي ضمن أعمال الشركة، فتميزوا بريادتهم، حتى تمكنوا من تعميم منافع قطاع النفط والغاز على مختلف القطاعات الأخرى، وحتماً لن يكون غير العمانيين، أولئك الذين سيجعلون هذه الخطط في حيز تنفيذ القطاعين العام والخاص.

فكلما تغيرت الأفكار وتطورت الثقافات وازداد الوعي بالمسؤولية، كلما قصر الوقت الذي سنرى فيه أنَّ حجماً معتداً به من الإنفاق يبقى في البلد ليكون رافدًا في تطوير اقتصادنا الوطني.

mohammed@alroya.net