قبسات من فكر سماحة الشيخ أحمد الخليلي (14)

 

  1. نتيجة تباين المدارك واختلاف التصورات

ليس النزاع في أصول الدين مع وحدة المصدر الذي تَنْهَل منه العقول المتنازعة؛ إلا نتيجة لتباين المدارك، واختلاف التصورات عند أئمة الفرق، ثم يؤصِّلُهُ تعصُّب الجماهير لأقوال أئمتهم، بحيث تجعل كلُّ طائفة قولَ إمامها أصلًا تُطوِّع له الأدلة المخالفة له بكل ما تخترعه من التأويلات المتكلفة، فتوزعت الأمة شيعًا وأحزابًا:

﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾[المؤمِنُون: 53].(الحق الدامغ: ص 7)

 

  1. قدر الأئمة عند الإباضية

باين الإباضية المسالك الضيقة فقهًا وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة، ولم يسوغوا لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من أئمتهم إلى درجة كلام الله أو كلام رسوله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يقول في كتاب أصول الدين من (جوهر نظامه):

وهي أمور تُبْتَنَى عليها

صحة ديننا فمِلْ إليها

لا دين للمرء إذا لم يعرف

ما كان منه لازمًا فلتعرف

واعْتَمِدَنْ ذلك بالدليل

في حالة الإجمال والتفصيل

إلى أن قال:

ولا تُناظر بكتاب الله

ولا كلام المصطفى الأواه

معناه لا تجعل له نظيرا

ولو يكون عالمًا خبيرا

ويقول أيضًا:

نُقدِّم الحديث مهما جاءَ

على قياسنا ولا مراء

ونَرْجِعَنْ في بيان الحكم

عنه إلى إجماع أهل العلم

(الحق الدامغ: ص 9)

 

 

  1. النَّاس منَّا ونحن منهم إلا ثلاثة

صدر الإعلان المنصف ـ الذي رسم مبدأ الإباضية في نظرتهم إلى الأمة ـ من أشهر قائد إباضي، وهو أبو حمزة المختار بن عوف السليمي، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر، وسجلها الزمن، وخلدها التاريخ، إذ قال فيها رحمه الله : «الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة: مشركًا بالله عابد وثن، أو كافرًا من أهل الكتاب، أو إمامًا جائرًا». (الحق الدامغ: ص 10)

 

  1. الأدب الإباضي

إذا كان الأدب مرآة تعكس ما في نفس الأديب من كوامن الأحاسيس، فإن الأدب الإباضي قديمه وحديثه طافح بعصارات مشاعر الألم الذي يحسون به بسبب تشتت الأمة، وانحلال عقد نظامها.(الحق الدامغ: ص 17)

 

 

  1. ألطاف الأنس القدسية

إذا كان العبد إذا أخلص لله تعالى في هذه الدار الدنيا ـ مع كثافة حجب طبائعها المادية المظلمة ـ؛ تتراءى له في ذكره ودعائه مشاهد العظمة، ويتكشف له من آيات الجلال ما يجعله يغيب عن وجوده، غارقًا في عالم شهوده، مشغولًا عن نفسه بما يمده به الحق تعالى من ألطاف الأنس، المتراسلة من حظائر القدس، خصوصًا في بعض الأحوال: كخلوات العبادة، وفي بعض الأزمان: كليالي رمضان، وفي بعض البقاع: كالحرمين الشريفين، فما بالكم بالدار الآخرة التي أعدت للمتقين، حيث ترقى نفوسهم إلى أوج الكمال الإنساني ؟!

ولا ينكر هذه المشاهد الأُنسية في هذه الدار الدنيا إلا من حُرِم شفافية الروح، ورقة الشعور والوجدان، التي يشعر بها العبد وهو ماثل بين يدي الله تعالى، داعيًا أو ذاكرًا، حتى يكون كأنه من أُنْسِهِ بربه يرى ذاته تعالى بأم عينيه، من غير أن يتحول تعالى عن صفته الذاتية، وهي عدم إدراكه بالأبصار، وقد سمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة بالإحسان، وذلك في قوله: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».(الحق الدامغ: ص 60 ـ 61)

 

 

  1.  الدعوة لحوار موضوعي هادف

أُعلنُ ـ للذين لا يرون إلا حسم الخلاف في هذه القضايا حتى تتفق فيها عقيدة الأمة ـ بأنني لا أستنكف من الحوار الموضوعي الهادئ الهادف، الذي لا ينشد به إلا الحق، ولا يفضي إلا إلى تجلي الحقيقة وظهور برهانها، ثم لا يؤدي إلا إلى الألفة والمودة بين المسلمين، وإنما أشترط أن يكون هذا الحوار مدروسًا من كل الجوانب؛ لتفادي التشنج والانفعالات التي لا تؤدي إلا إلى عاقبة سيئة، وليس من شأنها إلا تشويه وجه الحقيقة، وطمس نور الحق، ومحاولة تغطية محاسنه، والحيلولة بينه وبين البصائر. (الحق الدامغ: ص 222)

 

  1. العقائد لا تفرض على العقول فرضًا

إنَّ العقائد لا يملك أحد أن يفرضها على العقول فرضًا، وإنما هي نتيجة اقتناع بالفكرة: سواءً كان ناشئًا عن اجتهادٍ ونظرٍ، أو عن تقليد واتباع، وإنما مرادي أنَّ على علماء المسلمين ـ وهم مسؤولون عن هذا الدين الحنيف وعن أمة الإسلام ـ أن تكون لهم في مثل هذه المواقف التي تهدد بانصداع الأمة وقفة إيجابية في وجه الذين يحبون إثارة الشغب والمهاترات، التي لا تعقبها إلا المصائب والويلات بين أمتنا الإسلامية، وأن يرشدوا جمهور الناس إلى ما يفرضه الإسلام من التسامح، والتعاطف، والتعاضد بين المسلمين. (الحق الدامغ: ص 222)

 

 

 

  1. مواجهة الزحوف المتنوعة

إنَّ الوقوف في وجوه الزحوف المتنوعة المجتمعة على صعيد واحد لغزو الإسلام، وتشتيت أمة الإسلام: سياسيًّا وفكريًّا؛ أجدر ـ بكل مسلم داعية ـ من الاشتغال بخلاف عقائدي بين طوائف الأمة الإسلامية الواحدة، مضت عليه قرون وقرون، وتناولته بالتحرير والبحث أقلام شتى هي أرسخ علمًا وأعمق فهمًا، وأبلغ بيانًا، وأقوى حجة وبرهانًا. (الحق الدامغ: ص 221)

 

 

  1.  عاقبة عقيدة انتهاء عذاب العصاة

من أمعن النظر في أحوال الناس يتبين له أنَّ اعتقاد انتهاء عذاب العصاة إلى أمد، وانقلابهم بعده إلى النعيم جرَّأ هذه الأمة ـ كما جرَّأ اليهود من قبل ـ على انتهاك حرم الدين، والتفصِّي عن قيود الفضيلة، والاسترسال وراء شهوات النفس، واقتحام لجج أهوائها.

ولا أدلَّ على ذلك من ذلك الأدب الهابط الذي يصور أنواع الفحشاء، ويجلِّيها للقراء والسامعين في أقبح صورها وأبشع مظاهرها، وقد انتشر هذا الأدب في أوساط القائلين بالعفو عن أهل الكبائر، أو انتهاء عذابهم إلى أمد، انتشارًا يزري بقدر أمة القرآن، وغلب على المؤلفات الأدبية، مطولاتها ومختصراتها: ك (الأغاني)، و(محاضرات الأدباء)، و(العقد الفريد)، حتى كاد الأدب يكون عنوانًا على سوء الأدب.

وقد صانَ الله من ذلك أدب أصحاب العقيدة الحقة، الذين رسخ في نفوسهم ما جاء به القرآن من أبدية عذاب أهل الكبائر المصرِّين كأبدية المطيعين المحسنين، كما صان الله سلوكهم، وطهر وجدانهم، وسلَّم سرائرهم من الاستهانة بحرمات الله تعالى، والاستخفاف بأحكامه الزاجرة، ولو قلَّبت صفحات أدبهم لوجدتهم ـ في شعرهم ونثرهم ـ كما يقول الأستاذ أحمد أمين: «لا يعرفون خمرًا ولا مجونًا، فلا تجد في أدبهم خمرًا ولا مجونًا». (الحق الدامغ: ص 219 ـ 220)

 

 

 

  1. من آثار الغزو اليهودي

إنَّ القول بتحوُّل الفجار من العذاب إلى الثواب ما هو إلا أثر من آثار الغزو اليهودي للفكر الإسلامي. (الحق الدامغ: ص 183)

 

 

تعليق عبر الفيس بوك