الزبيديّ ومحاولة البحث عن منهج

في كتابه (سؤال في التفسير) يحاول البروفسور سعيد الزبيدي أستاذ اللغويات بجامعة نزوى النظر في (القرآن الكريم) دونما انقطاع وعلى امتداد رحلة عمره (عالما ومتعلما وباحثا) عن (منهج في التفسير)، وإن كان أبان عن منهجه البحثي فهو وفق تعبير من (فئة المفسر الباحث) الذي يهدف إلى "الدعوة إلى سبيل علمي يرتكز على العرض والموازنة والتحقيق والتحقق بما يأمن الزلل لئلا يقع فيه".

وفي هذا السياق يشير فضيلة العلامة الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عُمان في معرض تقديمه للكتاب إلى (لغة العرب التي بلغت من الرقي في التعبير وجمال  في الأداء وإبداع في الأسلوب ما لم تبلغه من قبل تهيئةً من الله لأن تكون وعاء كلامه المعجز)، و(قد شحذت هذه الخصوصية في القرآن همم الناس عربهم وعجمهم إلى دراسة اللغة التي نزل بها، فتسابق أولو العزائم في اكتشاف أسرارها واجتلاء خفاياها)، و(إن ممن جرى في هذا المضمار الفارس المجلي الأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي من خلال كتابه القيم [سؤال في التفسير – محاولة في البحث عن منهج] فكم راد في كتابه هذا من مجاهل في مظان بحثه، وكم اكتشف من خبايا، وأبرز من خفايا، فكان بحثه طريفا يضم التليد).

ويعترف البروفسور الزبيدي بأن (التفسير مركب صعب لا يدّعي أحد أنه بمنأى عن النقد أو الاستدراك، ويجعل الهدف خالصا لله، ولكتابه العزيز، ويقربنا زلفى بهذه النظرات التي تتواصل مع ما قدّمه الأعلام الأفذاذ: الشيخ محمد عبده، والشيخ أمين الخولي، وفاضل صالح السامرائي، والشيخ أحمد الخليلي) فلابد لي (من الاعتراف بفضل الذين سبقوا في هذا المنحى وهم كثرن فبهم اقتديت).

ويسوق إلينا الزبيدي رواية عن النحوي الكوفيّ ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني النحوي الكوفي كانت تلك الرواية وراء تغيير مسار الاتجاه البحثي والأكاديمي في مسيرته العلمية طالبا وأستاذا وباحثا.

فقد جاء في كتاب (إنباء الرواة على أنباء النحاة) للقفطيّ "قال أبو بكر بن مجاهد المقرئ (ت 324 هـ): قال أبو العباس ثعلب: يا أبا بكر، اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلتُ أنا بزيد وعمرو فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة؟ فانصرفتُ من عنده فرأيتُ في تلك الليلة النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل).

فسأل الزبيدي نفسه وقتها: (وماذا عنك يا "سعيد" إذا كان هذا الرجل الذي أشقاه تخصصه، هذا حاله؟ فعزمت على أن أعتمد في تدريسي النحو (القرآنَ الكريم) شاهدا تحليليا أقف عليه صرفا ونحوا وبلاغة ودلالة حتى أستوفي ما تنطوي عليه الآية أو الآيات في نظمها).

ويؤكد الزبيدي في أكثر من موضع من مقدمة كتابه أنّ منهجه في تأليف هذا الكتاب، وفي قاعات الدرس وفي النظر البحثي في القرآن (مفردةً وتركيبا وأسلوبا) يعود الفضل فيه إلى أستاذه العلامة الدكتور فاضل صالح السامرائي.) غير أنّه يقول في خاتمة التقديم (لا أريد أن أذهب أبعد مما قصد إليه تلميذي النجيب فأزعم أن هذه الخطوات تصل به وبالمتلقي إلى المنشود من المعرفة، بل هي أشبه بنهلات طائر قد تروي إلى حين).

تعليق عبر الفيس بوك