قيمتك في حضرة التصفيق

فاطمة الحارثية

في رحلتي القصيرة مؤخرا لم أتوقع أن أقابل مسؤولا شغوفا بالالتزام، في حواره لم أجد مفردة "أنا" ولو سهوا. حاولت أن أجذبه حول الذات وفخر المنجزات لكنه بادرني بسؤال "ما هي قيمتك في الحياة؟ وماذا تضيف لها؟". بُهتُ ثم بُهرتُ بهذا العمق في الطرح؛ بهذا البعد الإنساني الذي نادرا ما نجده عند مسؤول أو حتى أشباه مسؤولين.

نعم عزيزي المتلقي ما هي قيمتك في الحياة؟ انتبه لم أسألك كم رصيدك في البنك أو راتبك أو حتى مركزك فكلهم بلا وزن ولا مثقال. تأمل واسمعها في ذاتك بهدوء، أين بصماتك في محيطك، ماذا تركت من إرث فكري أو تاريخي؟ بمن أثرت؟ كم من الفرق أحدثت؟ ما تعمله لمن ولماذا وإلى أين وهل هو دائم؟ الكثير من الناس يهمهم "كيف" ويجتهدون فيها بكل قوة في نسيان تام لـ"لماذا"؟

عليّ أن أعمل، عليّ أن أجمع المال، علي... عليّ؛ لحظة لماذا عليك كل هذا؟ هل لأن الآخرين يفعلون ذلك؟ أم قيل لك منذ طفولتك فرسخ الأمر في ذهنك دون أن تعي "لماذا" تفعل ذلك وهذا أمر جلل لأن حتى عند وضع الأهداف يجب أن أعي الغرض من وضعها والرغبة ليست سببا رئيسا كما يتفق معي الكثيرون.

قد يقوم أحدهم بالتقليل من قيمة سائق الباص أو العامل البسيط وتعظيم مسؤول أو مدير رغم أنني لا أجد فرقًا بينهم كلهم في اجتهاد من أجل خدمة الآخرين وهذا الوطن، وبدون السائق لن يصل أطفالنا إلى مدارسهم أو ليس هذا أمرا خطيرا "قد يهدد المستقبل"؟ يلتزم كل صباح في ذات الوقت والأماكن دون كلل أو ملل، وفي مقارنة سريعة بين راتبه مقابل عمق قيمة عمله والتزامه لا يسعنا إلا التعجب؛ ولا أجرؤ أن أعقد مقارنة بينه وبين بعض المسؤولين أصحاب الرواتب الفخمة والالتزام التائه. 

قِيل "إن التقدم هو قدرة الإنسان على تعقيد البسيط" وبين هذه السطور تضيع قيمة المبادئ والقيم والعمل وبعدها قيمة الإنسان فالتعقيد هو ضياعٌ لأصل الشيء وكينونته. ليعمل البعض ويستلم البعض الآخر الشكر والثناء والمكافآت؛ وليقفوا أمام طوابير تتزاحم من أجل إلقاء التحية ومفردات التعظيم لكائن يشبه الإنسان شكلا والفراغ فكرا وهو يردد ما تم تحفيظه "إنه عمل جماعي! إذا لماذا المكافآت والتكريم ليست جماعية!!"؛ الغريب أن نرى صاحب الإنجاز واقفاً مع المهنئين؛ والحشد في غشاوة متناسين أنه ليس صاحب سيادة على حياة أو رزق أحد لأن الحكم المطلق والرزق بيد الله وحده.  يصفقون له بحرارة ويجرونه نحو هاوية الكبر والغرور ليُنسوه قول الله تعالى "فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [النحل: 29]"، وجب أن نعي أن التصفيق ليس علامة نجاح والتشجيع سلاح ذو حدين إما أن يقودك إلى البذل أو السقوط في قاع الغرور؛ فانتبهي أيتها الأذن التي تطرب لصوت التصفيق.

تحية لكل من يخرج صباحاً وهو يعلم أنه متجه إلى عمله من أجل العطاء، ملتزم بالقيم والمبادئ في تعامله مع نفسه والآخرين غير مكترث إلا بقيمة وعمق بذله وهو قدوة يحتذى بها في التزامه وسلوكه.

 

رسالة

لا أخجل من الخطأ فأنا لا أريد أن أبهر أحدا وهو جزء من كوني إنسان، التعلم والحوار جزء من قيمتي ووجودي. ويوم اللقاء العظيم لن أفكر في صياغة المفردات المنمقة في حواري معك ولن أطرق بابا أو أحدث نائبا أو منسقا من أجل مقابلتك؛ سنكون سواء في تجرد.