"اكذب حتى يصدقك الناس"!

مدرين المكتومية

"كيف تشعل نار الفتنة في مُجتمع دون أن تضطر لقدح عود ثقاب؟"، الأمر بسيط للغاية، فقط أنشر كذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ودع الناس "يتفاعلون" معها..

من المُؤسف أن أقول إنَّ ذلك يحدث ربما يوميًا منذ أن شاع بين الناس استخدام السوشال ميديا، وانتقلت الحروب بين الدول إلى ما يُسمى بحروب الجيل الرابع، تلك التي تسير على نهج جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازية في عهد أدولف هتلر الذي حكم ألمانيا بقبضة من حديد وتسبب في مقتل ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية. وهناك من يتبع هذا النهج بل يزيد عليه تجويدا واتقانا، فينشر الشائعات والأكاذيب واحدة تلو الأخرى، مطبقاً شعار جوبلز المفضل "اكذب حتى يصدقك الناس"، فالكذب المُتكرر لم يعد فاضحاً لصاحبه كما تربينا، بل صار سلاحًا تُطعن به الأمم في خاصرتها، فنجد البعض من خارج حدود السلطنة ينشر أخبارا كاذبة وعارية تماماً عن الصحة وكأنها كلمات مُقدسة لا تقبل التشكيك، والأدهى من ذلك وأمر أن تجد أبناء الوطن يتورطون في إعادة نشر هذه الأكاذيب، فيضللون الناس ويؤججون مشاعر الغضب تجاه مؤسساتنا.

الدعاية النازية قامت في الأساس على الكذب، وكل الدول والمُنظمات التي تنتهج سبيلا غير قويم تفعل الأمر نفسه، وقد شاهدنا ذلك خلال الأسابيع الماضية من خلال حملات مشبوهة مُمنهجة تهدف إلى زعزعة ثقة المواطن في مُنجزات وطنه، وتُشككه في قدرة بلاده على التقدم والسير بخطى حثيثة نحو المُستقبل المشرق الذي ينتظرنا. وما أود أن أشير إليه هنا أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبر ذلك الفضاء الإلكتروني الشاسع ساحة للكثير من الحروب الإعلامية وميدان معارك الحرب النفسية التي تشنها جهات مشبوهة ضد الآمنين في أوطانهم، ليس إلا من باب الحقد والغرور والطمع الزائف. الكثيرون للأسف يقرأون هذه الأكاذيب ويصدقونها ويقعون في فخ التزييف والتضليل، ومن المؤسف أكثر أن نجد أقلاما مرموقة لكتاب يحملون أعلى الدرجات العلمية ينساقون وراء ما تُلقيه علينا السوشال ميديا من تفاهات وأكاذيب، فيصدقونها ويكيلون الاتهامات هنا وهناك، دون وعي منهم بأنهم يخدمون أهداف من أطلق الأكذوبة وأقنع النَّاس بأن يصدقوها.

العديد من الرسائل تغزونا في كل صباحاتنا ومساءاتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثير منها مكتوب بعناية فائقة، فالكذبة حتى تقنع الآخرين يجب أن تكون محبوكة.

فمثلاً انتشرت أكذوبة يوم السبت الماضي فجرت جدلا مجتمعيا واسعا، مفاد هذه الأكذوبة أن هناك بطئاً في تنفيذ عدد من المشروعات التنموية في الدقم، وربط ذلك مع أكذوبة أخرى بأنَّ السلطنة لم تشارك في منتدى "الحزام والطريق" الذي نظمته الصين، في حين أن الواقع يؤكد أنَّ السلطنة شاركت بوفد رفيع المستوى على رأسه معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ورئيس الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء"، ومثّل الوفد السلطنة على أكمل وجه، بل ونجح الوفد في توقيع العديد من مذكرات التفاهم لشراكات استثمارية بين السلطنة والصين، تترجم علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلدين. ومن المدهش أنَّ البعض تفاجأ وندم على نشر أخبار كاذبة تبين له في النهاية أنها تضليل متعمد ممن لا يريدون لنا الخير.

لذا أناشد جميع إخواني وأخواتي، صغيرهم وكبيرهم، ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحروا الدقة فيما يُنشر من معلومات أو أخبار، وليس كل من كتب تغريدة هو على حق، أو أنه يقول الصدق، بل دائمًا احرص على التأكد من الأخبار من مصادرها الرسمية والأساسية، وهي معروفة للجميع. ادعوهم جميعاً إلى أن يتوقفوا عن المشاركة دون أن يشعروا في شن حملات دعائية ضدنا وضد اقتصادنا، فكثيرون يشعرون بالحقد على ما ننعم به من نعم بفضل السياسات الحكيمة التي نعيش في كنفها تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- وهناك من تملأ الضغينة قلبه، فتجده عن عمد يكذب ويكذب حتى يقتنع الآخرون بما يقول.

وأخيرًا في المقابل، على كل مواطن مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي أن يكون عين الوطن الحارسة، رافضًا لكل محاولات التشكيك في المُنجزات التي تحققت ولا تزال تتحقق على أرض الواقع، وألا يسمح لأي طرف خارجي أن يتدخل في شؤوننا الداخلية، كما لا نتدخل في شؤون الآخرين.