الحقوق المعنوية في القانون العماني

 

د. طه زهران              

محامي بالمحكمة العليا، مكتب سعيد المعشني للمحاماة

 

عرفت المادة (64) من قانون المعاملات المدنية الحقوق المعنوية بالنص على أن "الحقوق المعنوية هي التي ترد على شيء غير مادي ويتبع في شأنها أحكام القوانين الخاصة". وانطلاقاً من هذا النص سنوضح للقارئ نبذة مبسطة عن تلك الحقوق المعنوية في القانون العماني.

فقد تواترت التشريعات العربية ومعها التشريع العمانى على تنظيم أحكام الحقوق المعنوية (الأدبية) لما أصبح لها من أهمية قصوى فى العصر الحديث حيث شهدت تطوراً هائلاً يكاد يربط ما بين أنواع الحقوق المختلفة برباط وثيق لا تنفصل أجزاؤه.

فالحقوق المالية المعنوية من القضايا المستجدة التي برزت بشكل واضح نتيجة تطور الحياة المدنية والاقتصادية والثقافية والعلمية. فكثرت الأمور المعنوية ذات القيمة المالية التي بات موضوع اختصاص أصحابها ومدى سلطاتهم عليها محل بحث ومناقشة. وقد انتهت كثير من القوانين الوضعية على الرغم من اختلافها إلى تقرير هذا الاختصاص وتحديد سلطات أصحابها عليها. وقد أوجب ذلك ضرورات تشجيع النشاط الإنساني المبدع بكل صوره وحماية مكتسباته، ومنع صور التلاعب والتحايل والاستغلال لجهود الآخرين، ومنع أي إثراء غير مشروع على حسابهم.

وقد درس فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون هذا الموضوع، وبينوا استيعاب قواعد الفقه الإسلامي له، وأوضحوا حرص الشريعة على حماية هذه الحقوق وتنظيم أوضاعها بما يكفل تحقيق المصالح المشروعة وصيانة قواعد العدالة وحماية مسيرة التقدم الإنساني من كل مظاهر الاستغلال والتلاعب.

وقد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنّه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية وحق الفنان في مبتكراته الفنية وحق المخترع في مخترعاته وحق التاجر في الاسم التجاري والعلامة التجارية وثقة العملاء.

والحق المعنوي نوع من أنواع الحق المالي، وهوالذي يمكن تقويمه بالمال فهو يخول لصاحبه قيمة مادية تقدر بالمال أوالنقود.

ويطلق فقهاء الشريعة لفظ الحقوق المالية على كل حق هو مال، أو المقصود منه المال، مثل حق الملك. ويتجه بعض الفقهاء إلى ترجيح تسمية هذا النوع من الحقوق بحقوق الابتكار، لأن اسم الحقوق الأدبية هومصطلح ضيق لا يتلاءم مع كثير من هذه الحقوق كالاختصاص بالعلامات التجارية أوالصناعية المبتكرة.

ويتبين مما سبق أنّ الأمر عند أهل القانون ضيّق جداً وأمّا الأمر في الفقه الإسلامي فيختلف اختلافاً كبيراً، ذلك أنّ دائرة الملك في الشريعة أوسع منها في القانون، فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئا ماديا معينا بذاته في الوجود الخارجي، إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع على الراجح من أقوال الفقهاء.

ومن هنا يتضح لنا أنّ الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها.

ويجوز التصرّف في تلك الحقوق ونقل أي منها بِعِوَض مالي، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أنّها حقاً مالياً.

وقد اختلف فقهاء القانون حول طبيعة تلك الحقوق وهل هي حقوق ملكية فكرية أو هي مجرد حقوق اختصاص على تلك المبتكرات.

ونرى أنّ هذا الحق هو حق ملكية بما تحمله الملكية من خصائص وسلطات كاملة كما سبق بيانه، ولا يغيّر من ذلك وقوع هذا الحق على أشياء معنوية أو أدبية ما دامت لتلك الأشياء قيمة مادية.

فالأمر ليس مجرد احتكار للاستغلال كما يدعى البعض، كما أنّ القول بعدم تصور وجود حق الاستعمال فى الملكية الأدبية بسبب وجوب استعمال الجمهور لذلك الحق بما يتعارض مع سلطة الاستئثار. هو قول غير سديد؛ حيث إن كيفية الاستعمال ترجع دائماً لطبيعة الشيء المستعمل ذاته سواء كان مادياً أم أدبيا.

وفي ذات الوقت فإنّ عدم الاستعمال لا ينفى وجود سلطة استئثار المالك بملكه. فمالك حق المؤلف مثلا يستطيع أن يستأثر به ولا ينشره وكذلك صاحب براءة الاختراع وهذا يؤكد استئثار المالك بملكه. فمن يملك حق التصرف يملك حتماً حق الاستعمال والاستغلال ما لم يتنازل هو عنه بإرادته الحرة.