نزق الوحدة


رحاب عمر | مصر

دق الفراغ ورتق خيوط الفقد بأمل كذوب، غدت شمعته المنطفئة توقد من وهم، وتتجلى فى صورٍ وأحداث وصوتٌ فى أفق الدجى يصيح، قاتلاً ذاك الصمت اللعين، تلك الجدران مكتومة الضى، نبتت بعد زمنٍ، بريق زهر طيب الرائحة الصورة باتت أوضح، النافذة الصغيرة تخللتها الشمس، فأزالت الغفوة من حوائط خربة قديمة ،خارج الكوخ زرع الفل، وسقى الصبار القديم فاخضر على وجعه طرحت شجرة الورد الجديدة، حين قالت له ذات فجر:
– ” أحب الورد “.
أدرك أن الريح القادمة من البحر ليست شرًا، لكنها روح جديدة تعوض ما قد ذَبُل، وتطيب خلجات الكون إذ تهب، صوت الموج لم يعد مزعجًا، بل أضحى علامة لبلوغ الأمل، زعق البحر دليل قدومها عليه أن يفتح زراعيه ويتأهب للقاء.
تخترق الباب وتعلم خفايا نفسه، وتقرأ نواقصه فتكملها بقبلة.
يتحدث إليها قائلا:
– إلى أن اقتربت من العجز، لم أكن أعرف معنى الصبا، فقط كوخى الصغير كان حضنى الذى حاربت لأجله عمرى بأكمله كانت حرب للبقاء ليس إلا الآن أدركت ضالتي التى تاهت عند مولدي، الآن أزيلى اللثام عن روحك، فانفخى فى أبواق يأسى حياة جديدة، فأنا مولود جديد على قيد هرم.
قالت:
– ثرى القلب أنت، وللملكة حق فى ثرائك، ثم غفا على أجنحتها وتاه.. علمته كيف ينتظر الغروب، وكيف أن الغروب فرج.. تغادر وتأتى يبتلعها الموج ويلقيها طازجة بعد كل فراق إلى أن أبلغته بالخبر..
وأشارت إلى نفسها، قائلة:
– أحمل فى أحشائي بوح منك ومنى.
قفز من السرور، ونظرت له مبتسمة قائلة:
– تمهل.
قال: أبقى الآن خيالى أولى بك من واقعك.
قالت: كيف لى رب لا يرضى بعبثى بالطبيعة أنا أجرمت، سأموت جزاء فعلتى.. لقاؤنا الروحى ذنب قال متعجبًا؟!
قالت:
– لو كان روحيًا ما أثمر!
هو:
– بل تثمر الروح كائنات نورانية لا هى بشر ولا جان.
هى:
– لا نملك حق العبث فى وقائع أزلية!
هو:
– بل نسمو وفى سمونا ارتقاء لم يحدث من قبل.
هى:
– أنت لا تدرك ماذا لو تكشف أمرنا، أنَ لملقون خارج التكوين وأين نذهب؟
نظر لها وشعر باليأس قائلًا:
– تكسرين المعنى الذى خالنى منذ عرفتك نحن أصناف مختلفة، علينا تحمل أن جديدين عن هذا الكون وتلك الحقائق.
هي:
– متفائل أنت، ستكبر انبلاجات روحى ويعلمون فعلتى سيقيمون عليا الحد – أي حد ؟ – حد احتلالك دون إذن مسبق.. – أنا من تُقْتُ إلى روحك وعبثت فيك فأوحت لكِ نفسك ووشي لكِ قلبك، وأى ذنب اقترفنا وهل نملك سفر أروحنا خارج الحدود، أبقى وأبقى ببعضك وبعضى.. تعالى نخلق شيئًا جديد يلوح فى أفق معتق بالعذاب تعالى ننثر جنة علَّا الجنة تولد جنان… نظرت ضاحكة وطافت جنبات الكوخ الذى تحول لقصر ثم ألقت عليه لؤلؤا
وقالت:
– سأعود انتظرنى هناك ..فى المفرق بين الشرق والغرب عند الشروق الأول ثم اخترقت الأبواب.
وهو يصيح:
– يا …يا …لقد نسى رغم ما كان بينهما أن يسأل عن اسمها .
صمت ثم قال هامسًا:
– وما علاقة الروح بالأسماء.
ثم شعر دوارا فألقى رأسة على وسادة وثيرة فى البهو الكبير وهو يذكر نفسه بموعده عند المفرق القديم، ممنيًا روحه باظهار جديد قد يعيد التوازن فى الحياة بعد كل هذا الصخب وحين توقفت الشمس تزيح الليل وترسل شارات ليوم جديد هبا واقفًا ورائحة عطب تملأ أنفه، فأمعن النظر وجد الكوخ بفرشه القديم تعجب، لكن صواعق بالخارج تزعق، واضطراب ما يشوب الدنيا جرى إليها عند استقبال التلة للشمس، وجد التلة ممتلئةً بدماء ساخنة والموج يجزر ويمد بحركات شيطانية وكأن الطبيعة غاضبة من شيء ما.
صرخ:
– لقد ذُبح ابنى، وماتت ملكتى.. يصرخ ويصرخ… والناس تأتى تلتف حول المكلوم فى تعجب ثم سخرية واستخفاف… يبكى ويصرخ ولا احد يعتنى.. ينظر فى وجوهم قائلا : انظروا الموج الاحمر إنه عروق ابنى الممزقة… لقد نحروه حين علموا أنه روح الحب وسط هذه الحرب..
يرحل الناس باسمين ولا احد يهدأ من روعة.. إلا واحد ظهر وسط الخلق قائلًا:
– إنها لعنة الكوخ هيا ارجموا الارواح الشريرة فيه واهدموا الكوخ.. والأكواخ المجاورة، هيا ساعدوا العاملين على الهدم تكوم العجوز جوار التلة، وزهد الكوخ، وبقى يشرب الماء المالح ويلتحف أوجاع جسده وينظر بعيدا وهم يشعلون النار فى ملتقى الأحلام.
أيام قليلة ووجد حركة قرب مكان الكوخ المتهدم وعلى امتداد الشط، وإعلان كبير فى المنتصف فيه: “بناء مصيف خاص على الشاطئ الأحمر بأسعار مغرية”

 

تعليق عبر الفيس بوك