أيها العُماني وطنك ليس قطار سفر

 

حمد بن سالم العلوي

تستفزني سلبية البعض في التَّعامل مع الوطن، وكأنه لم يمر بالآية الكريمة في قوله تعالى: "فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" (هود:65).. إنَّ الذي عقر الناقة فرد واحد، وإن وصف الله لهم بصيغة الجمع في ارتكاب تلك المعصية وذلك بقوله عزّ وجلَّ "فعقروها" أي أنهم شاركوا في الجريمة فبعضهم بالتحريض، والبعض الآخر بالمُوافقة أو حتى الصمت على ذلك، فكان العقاب جماعياً وليس الفاعل بمفرده.

فما أشبه ذلك بهذا الذي نراه اليوم من خذلان وسلبية، عندما يكتفي البعض في التعبير عن عدم رضاه عن تصرفات قلة قليلة من النَّاس بالقول: "تراها خربانة خربانة" وكأنه بتكرار هاتين الكلمتين، يبرئ نفسه من المسؤولية الجماعية والفردية، وفي المُقابل يطلق لها العنان لتفسد كما فسدوا، والمبرر أن هناك من فسد فلا مانع أن أكون أنا الأسوأ، إذن؛ الضعيف يختار الطريق الأسهل .. وهو التخريب، وليس الإصلاح الذي يحتمل البناء الذي فيه جهد وتميز.

لقد جادلني بعضهم على قولي في مقالة الأسبوع الماضي، إنَّ العُماني قد جُبِل على النزاهة والأمانة والعفة ونظافة اليد، فأنكروا عليّ هذا القول، وأصروا على أنَّ من العمانيين من هم فاسدون بشدة، فهذا ما فهمته من فحوى مجادلتهم، وقد اتهموني بالجهل والمجاملة في غير موضعها، وأيقنت من حوار هذه القلة المتذمرة المتلكئة، أنهم أشخاص مهزومون من الداخل، وذلك دونما جهد يبذل عليهم من الأعداء المتربصين بالوطن هذه الأيام، وأنهم يمثلون طابوراً خامساً تبرعاً من ذات أنفسهم، ودون طلب مُباشر من خصم خارجي، اللهم إلا ما يبثه من سموم في إعلامهم الموجه، فيتلقفه أصحاب المساحات الرمادية، فيُعيدون نشره بفخر وزهو، معلقين عليه بأنَّه قول حق أريد به التنبيه والموعظة، للغافلين والفاسدين في طرفنا، بدليل أن هناك 9 أطنان من الذهب تنتج فصارت 20 كيلو اليوم، وأن أعلى دخل للشرطة في العالم، هو دخل شرطة عُمان السلطانية، وذلك بنسبة 80 ألف دولار في كل عشر ثوانٍ، وغير ذلك الكثير من الهرطقات المكذوبة.

فهلّا تساءلنا لماذا أصبح بعض العُمانيين صيداً سهلاً للأعداء؟!! وهؤلاء الذين نصفهم بالأعداء اليوم، هم من وضع نفسه في هذه الخانة .. وليس نحن، وطالما أنهم هم من قرر ذلك الأمر المؤسف، فلماذا نحن ننكر عليهم سلوكهم وهو واقع وثابت، ونظل نتعامل معهم بلطف واستغفال ساذج؟!! "وسأشرح هذا اللطف في الفقرة التالية" وإنما يجب أن نُحدد الخصم الذي بادر بالعداوة، ونحيِّده جانباً كي لا يورث ضرر العداوة ضدنا كدولة وشعب، وألا يترك بأن يتغلغل في مفاصل الدولة ويثنيها عن التقدم، بحسده وخبثه وأحلامه غير الواقعية، وطالما دعت الضرورة إلى ذلك، علينا أن نفرج عن بعض الحقائق التاريخية التي ستمنع تزوير الحقائق أمام الأجيال القادمة، وحتى لا نكون شركاء في التضليل بسلوكنا الصامت، ثم لماذا لا يكون لدينا مراكز دراسات إستراتيجية رسمية إلى الآن؟! لأنَّ مثل هذه الدراسات، لا يقوم بها القطاع الخاص ولا الأفراد، وأرى أنها أصبحت أكثر إلحاحاً وضرورة اليوم قبل أي وقت مضى، فمثل هذه المراكز ستقدم دراسات ونصائح بالحلول للدولة، لمُراقبة وعلاج الظواهر التي تطرأ على المجتمع، وسيكون من مهمتها معرفة كنه السلبية التي ينتهجها بعض الناس اليوم، فيكذبون الحكومة على أية حال، ويصدقون رسائل شبكة التواصل الحديثة، حتى لو كانت مجهولة المصدر.

وهنا أعود لشرح كلمة "اللطف" فحتماً هنا لا أشير إلى التعليق الذي قاله عميد الدبلوماسية العُمانية معالي يوسف بن علوي  الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، وذلك في معرض رده على بعض الأسئلة أثناء محاضرة له في النادي الثقافي، وإنما أنا فهمت ذلك الكلام الدبلوماسي البليغ، على أنَّه تأكيد وليس نفياً لفعل ما، وإنما قوله بحصول مثل ذلك بين الجيران، أولاً: يفيد بالتأكيد والجزم بالتكرار، وثانياً: يُدين مثل هذا الفعل لأنه يحصل بين الأعداء، ولكنه لا يحصل مطلقاً بين الجيران، فالجيران موصى بالإحسان إليهم إلى سابع جار، كما أتى ذلك في حديث شريف، وقوله إننا نتعامل معهم بلطف، فليس المقصود منه الضعف والتقية، وإنما حكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- ينهج سياسة حكيمة تراعي مصالح الشعوب قبل الحكومات، وخاصة عندما يكون شعباً واحداً في دولتين إحداهما انفصلت عن الأصل من قريب، ولم تر السلطنة في ذلك قضية.. وإنما حرية نهج، وحتى لا يقال إنَّ عُمان تطمع في ثرواتهم الجديدة، فعُمان حافظت عليهم وحمتهم في زمن ضعفهم من غلبة الآخرين عليهم، ونحن لا ينبغي أن نلتفت إلى تأليف القصص والتاريخ المزور والمُحرَّف.

وأجزم جزماً قاطعاً لو أنَّ هذا العُماني الذي ينظر بسوداوية حالكة للأمور في بلاده، عرف ماذا يدور في بلاد الآخرين الذين يرى فيهم القدوة الحسنة، وعرف كيف أنَّ المواطن يخزم هناك ويهان وتنتهك حقوقه، لو أنه تصرف بعُشر ما يفعله هذا العُماني في وطنه، ولو فقط سُرِد لهم بعض القصص التي تحدث لمن يتفوه بكلمة عفوية هناك، ولكنها أغضبت الفئة النقية المُنتقاة من الناس، وكيف ينكل بهم، فلا يكتفى بسلب حرياتهم بالسجن والتعذيب، فالأخطر من ذلك كله، عندما يتقرر إبعاد مواطن عن بلده، ويسحب منه جواز سفره، وينفى في جزر بعيدة، فلا يعرف عنه خبر، فنسأل هؤلاء الموهومون بجنان الفردوس هناك، ماذا تقولون في ذلك؟ فجوابي لكم نيابة عنهم، سيقولون هذا كذب وافتراء على قوم أبرياء، قوم يرفِّهون شعوبهم، وشعوبهم لا يجدون فرصة للشكر من كثر النعم التي تغدق عليهم، وإلا كيف لضابط برتبة كبيرة يقول في إحدى المقابلات، إننا "نعبد فلانا من الناس" إذن عقلية هؤلاء تشبه عقلية ذلك العابد لولي أمره.

ختاماً أقول إنكم كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته، والوطن ليس كقطار السفر ينقلك من محطة إلى أخرى، فتغادره بانقضاء الحاجة، الوطن عزتك وكرامتك وقدرك في هذه الدنيا، وموكول إليك شرعاً حمايته والدفاع عنه، وليس هذا الدفاع من عدو خارجي وحسب، وإنما من العدو الداخلي أولاً، فالذي يهدمه من الداخل بالفساد والسرقة فهو عدو، وكما قلت في مقالة الأسبوع الماضي، فإنَّ السرقة ليس محلها المال المنقول وحده، بل كل تصرف سيئ يعد سرقة موصوفة في حق الوطن، وحتى تشويه سمعة الوطن فهو في مقام السرقة لعزته وكرامته، فالوطن هو أنت وأنت الوطن، فإذا سافرت إلى أي بلد سيُقال عنك "العُماني" وسيختزل اسم عُمان في شخص إنسان، وحتى إذا أقمت في تلك البلد، وأخذت جنسيتها، سيظل الناس ينعتونك بالعُماني، إذن عُمان قدرك شئت أم أبيت، فعليك أن تُعلي قدرها ومكانتها، وأن تسعى لرفعة شأنها وقدرها، والتفريط في الوطن كالتفريط في الكرامة والعِرض، حفظ الله عُمان وسلطانها العظيم وشعبها الأبيُّ الكريم.