الصحيفة الفرنسية واسعة الانتشار تشيد بالحريات الدينية في السلطنة

"لو جورنال دو ديمانش": عُمان تقود جهود السلام في الشرق الأوسط .. ووجهة مثالية للباحثين عن الحياد

...
...
...
...

الرؤية - خاص

أشادت صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية بالسياسة الخارجية للسلطنة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-، وقالت إنَّ عُمان تقود السلام في الشرق الأوسط الذي يُعاني من الاضطرابات والصراعات المريرة.

وأعد فرانسوا كليمونسو رئيس تحرير الصحيفة الفرنسية الأسبوعية واسعة الانتشار، تقريرا افتتاحيا نُشر في عدد الصحيفة أمس الأول الأحد، بعدما قضى زيارة قصيرة في السلطنة التقى خلالها عدداً من كبار المسؤولين المعنيين بالسياسة الخارجية للسلطنة. وحمل العنوان الفرعي للتقرير "سلطنة الخليج تواصل تعزيز الحوار في الشرق الأوسط عبر دبلوماسية مُبتكرة".

ونقلت الصحيفة عن معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي الأمين العام لوزارة الخارجية قوله: "لقد أبقينا دائماً على كل قنوات الاتصال مفتوحة في المنطقة، لأهداف إنسانية بحتة"، مؤكداً أن "حياة البشر أكثر أهمية من أي شيء آخر". وقال معالي السيد بدر البوسعيدي إن: "إرادتنا المتوازنة والاستماع هما مفتاح بقائنا كدولة".

ويرى التقرير أنَّ هذه الجملة حددت إستراتيجية عمان منذ أن تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله روعاه- مقاليد الحكم في البلاد، ووضع نصب عينيه الارتقاء بعُمان تدريجيا نحو الحداثة والتطور. وأكد التقرير أن هذا التحول نحو الحداثة لم يكن بالأمر الهين، في ظل الأوضاع الإقليمية التي تُحيط بالسلطنة من كل جانب، مشيرا إلى أنَّ منطقة الخليج والمحيط الهندي تعج بالكثير من القوى التي تسعى أن تهيمن على الأوضاع، لكنه أثنى على التوجه العماني الذي لم يسع مطلقاً نحو المنافسة الإقليمية، على الرغم مما كانت تتمتع به من ماض تليد عندما كانت الإمبراطورية العُمانية تمتد إلى زنجبار في شرق أفريقيا.

وثمَّن التقرير السياسة الخارجية القائمة على رؤية جلالة السلطان، وفق الثوابت العمانية، وفي المقدمة منها تجنب الخصومة مع أي طرف، منها مثلاً أن الدبلوماسية العمانية نجحت في أن تكون "بطلة الحوار السلمي" بين إيران والمملكة العربية السعودية، وأيضًا داخل مجلس التعاون الخليجي، وكذلك بين الأمريكيين والإيرانيين، وبين إسرائيل وفلسطين.

واعتبر التقرير زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط قبل شهور برفقة رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي جزءا من دبلوماسية السلام التي تقودها عمان، مشيرا إلى أنَّ هذه الزيارة كانت محط اهتمام ومتابعة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض، بجانب المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات. وأوضح التقرير في هذا السياق أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني مستعدان ويدركان أنه: "عندما تقع في مأزق فلابد من منفذٍ للخروج".

فيما قال سعادة السفير الدكتور محمد بن عوض الحسان المكلف بتسيير أعمال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدبلوماسية في تصريح للصحيفة: "أحيانا، يتوجب على القادة الأقوياء اتخاذ قرارات قوية"، في إشارة إلى كل من ترامب ونتنياهو. وذكرت الصحيفة أن عمان كانت من بين الدول القلائل التي أعلنت دعمها لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عقب حرب 1973، كما إن عمان التزمت الحياد عندما نشبت الحرب بين إيران والعراق في عام 1980، ورفضت التخندق داخل أي من المعسكرين.

ويرى التقرير أنه بعد مرور 30 عامًا، وعندما وصل الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، أدرك جلالة السلطان المعظم أن الوقت قد حان للبدء في إجراء محادثات بين طهران وأمريكا؛ حيث تم تعيين معالي سالم بن ناصر الإسماعيلي، لهذه المهمة، ووصفت الصحيفة الإسماعيلي بأنَّه مسؤول رفيع المستوى ويتمتع بعلاقات وطيدة بشخصيات أمريكية وصديق شخصي للسيناتور جون كيري (الذي كان وزيرا للخارجية الأمريكية وقتئذ)، حيث قدم عدة مقترحات إلى دينيس روس المستشار الخاص لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إلى الشرق الأوسط، بخصوص إجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين.

وقال التقرير إنه بفضل الهدوء الذي تتميز به مسقط، فقد كانت الاتصالات تتم في هذه المدينة الممتدة على ضفاف بحر عمان، وقد أشاد بما تتميز به السلطنة من الحرية والتسامح. وذكر التقرير أنَّ عمان واصلت جهودها لمدة 4 سنوات حتى وافقت الأجهزة الأمريكية والإيرانية على الالتقاء مباشرة في نهاية المطاف، وشهدت المفاوضات بقيادة الإسماعيلي مناقشة إمكانية تبادل محتجزين لدى الجانبين.

ونقل التقرير عن مصدر لم يسمه قوله إنّ عمان قدمت جميع التسهيلات، ولم تكن وسيطا، وأن العمانيين نجحوا في إقناع الأطراف المعارضة للقاء المباشر بإجرائه، وبتمرير الرسائل لكلا الطرفين. كما ثمن التقرير الخطوة العمانية بعدم غلق أي سفارة لها في أيٍ من الدول التي شهدت صراعات، فلم تغلق السفارة العمانية في دمشق أبوابها في ذروة الحرب هناك، ولا في ليبيا أيضًا والتي شهدت اقتراحًا من الدبلوماسيين العُمانيين على أطراف الصراع هناك للانتقال إلى السلطنة من أجل العمل على تحضير مشروع الدستور الليبي.

وقال معالي السيد بدر البوسعيدي: "في بداية العام 1990 جرت اتصالات بين إيران والسعودية، وكنتُ طرفا فيها، وقد استقبلنا هنا سعود الفيصل (وزير الخارجية السعودي الراحل) ونظيره الإيراني علي أكبر ولايتي، وكنا دائماً على قناعة بأنه يتوجب على الطرفين الإيراني والسعُودي التحدث بجدية". وأضاف معاليه للصحيفة: "قدمنا الرعاية الطبية للمصابين جراء الحرب في اليمن، بمعدلات وصلت إلى 40% من قدرات السلطنة الطبية". وقال التقرير إن السلطنة لم تتوقف عن تقديم الدعم الطبي والرعاية الصحية للمصابين في ظل تفاقم الأوضاع هناك.

وقال البروفيسور هاني البسوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس للصحيفة: "إذا كانت عُمان قادرة على بناء جسر بين دولتين أو بين ثقافتين مختلفتين، فهذا منبعه المذهب الإباضي والذي يمثل مدرسة فكرية متطورة جدًا تتسم بالتسامح والوسطية والاعتدال".

وقد أثنى تقرير الصحيفة الفرنسية على حرية العبادة في السلطنة، وقال إنَّ نحو نصف عدد السكان من الأجانب، ولذا فإنَّ الهندوس لهم معابدهم، وللمسحيين كنائسهم، ولكل مذهب إسلامي مساجده. واعتبر البسوس ذلك: "ترجمة لإرادة السلطنة في أن تكون بمثابة الوجهة المثالية لجميع الباحثين عن الأرض المحايدة والصديقة".

ويعود التقرير للحديث عن دعم السلطنة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وقد تحدث المكرم حاتم بن حمد الطائي، عضو مجلس الدولة، رئيس تحرير جريدة "الرُؤية" إلى الصحيفة معلقًا على الدور العماني في هذا الملف قائلاً: "من جهتنا في عمان، فإننا لم ولن نتخلى عن القضية الفلسطينية، ونتمنى أن يستمر الفلسطينيون والإسرائيليون في التفاوض من أجل إحلال السلام ومنح مساعي السلام فرصة كي يتحقق على أرض الواقع". وأضاف الطائي أن المعضلة الأساسية في هذه القضية أن الطرف الإسرائيلي لا يُريد تقديم أي تنازلات لحل القضية وفق مقررات الشرعية الدولية، مشيراً إلى أنَّ البعض يتحدث عن أن نتنياهو يحظى بصداقات في دول الخليج، لكن هذا أمر لا معنى له في ظل عدم رغبته في تقديم المُقابل لهذه الصداقة.

تعليق عبر الفيس بوك