نوستالجيا

د. يوسف حطّيني

 

 

(1)

سُعادُ الّتي أينعتْ سوسناً

لم تكنْ قصّةً

تتسلّى بها جدّتي

في ليالي الحصادْ

وما كنتُ "كعبَ زُهيرٍ"

لألبَس بُردتَهُ

أو لأنسجَ في قَهْرِ منفايَ:

"بانتْ سُعادْ"

له بردةُ الشّعرِ،

أمّا أنا فالهَوى في دَمي

موغِلٌ في الحِدادْ

مسافةَ شبرينِ: كنتُ وكانتْ،

وكان المَدى مورقاً

قبلَ أن أتكسّرَ مثلَ المَرايا..

ويعبثَ في رحلتي

قدرُ السّندبادْ.

 

(2)

ثلاثونَ عاماً نأتْ مثلَ حُلْمٍ

بعيدِ المنالْ

نأتْ مثلَ صورةِ ذاكَ المعلّمِ

يخفي وراءَ وقارِ الكآبةِ حَيْرتَهِ

أو يداري سذاجَتهُ

في ارتباكِ السّؤالْ

ولمْ تنأَ من قلبِهِ

وردةٌ تشبهُ القُدْسَ

ترسو على مقعدٍ

والمقاعدُ  بحرٌ

يموجُ بألفِ احتمالْ

ولم ينأَ منديلُها الأبيضُ المتوهّجُ

مثلَ شراع ينادي: تعالْ

ثلاثون عاماً

نأتْ في ارتعاشِ الخَيالْ

وكان المخيّمُ أخضرَ كالطّفلِ

كانَ يمرُّ على خاطري

غصنُها الغضُّ

بِكْراً كسحرٍ حلالْ

ولمْ تنأَ غيمتُها عن سمائي

وظلّت تلازمُ صحراءَ عُمري

لأنعمَ، رغمَ اشتعالِ الأسَى،

بالظّلالْ.

 

(3)

على مقعدٍ كالأميرةِ

تجلسُ مثلَ ابتهالٍ

تَنَدّى بعطرِ الصّباحْ

تطلُّ  على لهفتي

بلسماً للأسى والجراحْ

تفرُّ بعينين لوزيّتينِ

تخبّئ دفءَ الغَرامِ

المتيّمِ غيرِ المباحْ

وتسرقُ سرَّ الهوى

عندما تقرأُ الشِّعرَ

كنتُ سأخبرُها

أن بســـــمتَها كالقصيدةِ

لولا عيونُ الصَّبايا

ترفرفُ حولَ ملامحِ وجهي

بغيرِ جَناحْ.

 

(4)

وأذكرُ:

كانت تطلّ من البابِ خجلى

كأنّ ارتكابَ الكلامِ لديْها

مغامرةٌ آثمَهْ

وحينَ تراوغُ بنتٌ مشاغبةٌ

هدأةَ الصَّفِ

تضحكُ عشرونَ بنتاً، عَدَاها

وحين أثورُ على ضحكِهنّ

بلهجتيَ الصّارمهْ

سيصمُتْنَ خوفاً

وتبقى الّتي تملأُ الصفّ بهجتُها

بانتظار انتباهي إلى بسمةٍ حالمهْ

وأبقى أراوغُ دعوتَها، في وَقارِ المعلّمِ،

كيلا يبوحَ ارتباكي بخيبتِهِ

أو تطيرَ عصافيرُ قلبي

إلى روحِها راغمَهْ.

 

(5)

غريبَيْنِ كُنّا

تُدغدغنا أمنياتُ السّرابْ

كنافذتين تفرّانِ

من شارعٍ ضالعٍ في  الغيابْ

ونحلمُ، كلٌّ على حِدَةٍ،

مثلما نشتهي

ثم يكتُبنا العُمْرُ قهراً

بحبرِ الغُرابْ

زَرعْنا شُجيراتِ أعمارِنا

في مهبِّ التمني، ونمنا

فكيف سنحصدُ من علقّمِ الجُرحِ

شَهْدَ الإيابْ؟

 

(6)

على وجَعٍ أستردُّ الحكايةِ

أحذفُ منها قليلاً

أضيفُ قليلا

وآملُ أن تتغيرَ فيها

طقوسُ العذابِ

وأن يصبحَ الشّوكُ بين الأصابعِ

ورداً جميلا

وأن يتحوّلَ وهمُ السّرابِ نخيلا

وأحلمُ أن تتغيَّرَ فيها

تفاصيلُ أخرى

كأن تُنجبَ البِيدُ،

حتّى نُجاوزَ هذا الظّلامَ، خُيولا

تعليق عبر الفيس بوك