المرأة (2-2)

عبيدلي العبيدلي

في مُقابلة لها مع "رسالة اليونسكو"، أجرتها معها باسمينة شوبوفا، تؤكِّد المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة ميشيل باتشيليت، أن الأمم المتحدة "سوف تدعم بنشاط وتبحث عن طرق مبتكرة لتمكين المرأة اقتصاديا، وزيادة دور المرأة القيادي كداعية للتغيير، وجعل قضية النساء في مركز عمليات السلام والأمن، وإدماج أولويات المساواة بين الجنسين في التخطيط الوطني".

وتشير باتشيليت -في حديث تسوده الثقة بشان تقدم المرأة على طريق نيل حقوقها- قائلة: إذا ما نظرنا إلى الوراء زمنيا، يمكننا أن نرى أنه قد تم بالفعل إحراز تقدم هائل خلال المئة عام الأخيرة. وبالرغم من كون التحديات لا تزال قائمة، إلا أنَّ قضية المساواة بين الجنسين اكتسبت زخما لم تكن لتحظى به قط في أي وقت آخر في التاريخ. وهذا صحيح، سواء على المستوى الدولي كما في معظم البلدان".

لكنَّ الأسباب التي أوردناها سابقا، أفرزتْ مجموعة متفاوتة من المظاهر التي تكشف أشكالا مختلفة تنتهك فيها حقوق المرأة المعنوية منها والفيزيائية، تؤكد أنه رغم ذلك التطور الذي تشير له العديد من المصادر الضالعة في قضايا النضال من أجل إنصاف المرأة، ومساعدتها على نيل حقوقها المشروعة، بما فيها تلك التي تعرضت لها باتشيليت، لكنَّ المرأة لا تزال تعاني من أشكال يمكن وصفها بأنها مهينة من منطلقات إنسانية محضة، وهو أمر لا يخفيه، بل تعترف به، على وجه الخصوص في البلدان العربية، شخصيات من مستوى رئيس المجلس القومي (المصري) لحقوق الإنسان محمد فايق حين يقول "تجمع الأدبيات الدولية على أن هناك خمس محاور تمثل المعاناة التى تتعرض لها النساء؛ أولهما: التميز ضد النساء، وهو واقع مؤسف يجد جذوره فى الثقافة والعادات والتقاليد أكثر مما ينطلق من أبعاد قانونية .وثانيها: العنف ضد النساء، ويأخذ هذا العنف مظاهر متعددة في المجتمعات العربية والإفريقية أبرزها النزاعات المسلحة الداخلية والدولية، والإرهاب ومكافحته، فضلا عن المظاهر التقليدية الأخرى مثل ختان الإناث والعنف المنزلي والاغتصاب والتحرش فى أماكن العمل، وزواج القاصرات".

وإذا ما أردنا تقنين ما أشار إليه فايق، ففي وسعنا تشخيص الأبرز بين هذه المظاهر في النقاط التالية: مصادرة الحقوق السياسية والاجتماعية، وتتراوح هذه الحقوق من حرمانها من أبسط الحقوق السياسية في بعض البلدان، إلى حرمانها من ركوب الدراجة النارية في أوضاع معينة. ولا يقتصر الأمر على النموذج الأول من مصادرة حقها في ممارسة التصويت والانتخاب، كما يتراءى لدى البعض، فحسب، بل يتجاوز ذلك كي يصل إلى حق إعطاء جنسيتها لذريتها، وهو ما يعطى للأب، لا لسبب سوى انتمائه الذكوري. ويصل هذا التمييز أقسى درجاته عندما يصل الأمر إلى حق المرأة في التعليم، حيث لا تزال بعض الدول تضع حدًّا للمستوى التعليمي الذي يحق للمرأة الوصول له، وتبرر ذلك بمتطلبات ضوابط اجتماعية غير منطقية، غير قادرة على الصمود أمام قوانين التطور.

الاعتداءات الجسدية واللفظية، وتندرج تحت هذا الشكل من أشكال الانتهاكات قائمة طويلة من الممارسات التي لا تنحصر في سلوكيات فردية، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث تقننها قوانين بعض الدول، وتُبيحها أعراف بلدان أخرى. وإذا كانت الاعتداءات الجسدية غير قادرة على إخفاء معالمها المتوحشة، فإن الثانية غالبا ما تكون مبطنة ومن الصعوبة بمكان تشخيصها. ويكفي هنا العودة إلى أرقام دراسة قام بها الاختصاصي الأردني ذياب البداينة على المجتمع الأردني، جاء فيها أن "97.5 من النساء اللاتي يتعرضن للعنف لا يتصلن بالجهات الأمنية مع أن نسبة الزوجات اللاتي لا يشعرن بالأمن في بيوتهن بلغت 54 بالمائة، فيما تشعر 55.3 بالمائة من العينة بالخجل مما يفعله بهن الزوج".

التفاوت في الأجر بينها وبين زميلها الذكر في أداء الأعمال ذاتها، حتى عند تساوي الكفاءات المهنية والمهارات الذاتية، والأمر لا يقتصر على الأجور فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى حرمانها من بعض المناصب التي تتحول -بفضل القوانين في بلدان معينة، والأعراف في بلدان أخرى- لإبقائها حكرا على الذكر؛ الذي ينعم بتلك المناصب رغم عدم أهليته المهنية لها.

من أجل مثل تلك المظاهر، وعودة إلى كل تلك الأسباب، يمكن القول إنَّ المجتمع البشري -بما فيه تلك الدول التي حققت تقدما ملموسا على مستويات عدة مثل التطور التكنولوجي، والنمو الاقتصادي، بل وحتى التحول الاجتماعي- لا تزال إن جاز لنا القول، وفي شيء من الثقة أنها متخلفة عندما يأتي الحديث عن المرأة وحقوقها التي يفترض أن تتمتع بها كإنسانة قبل أي شيء آخر.

فأمام واقع المرأة الذي يجوز لنا أن نصفه بأنه "مزرٍ"، مع كل ما نكنه من احترام للمرأة، تتساقط كل الادعاءات، وفي مقدمتها تلك التي لا تكف عن التباهي بها المنظمات الدولية والإقليمية، دون أن يعني ذلك إجحافنا بالحقوق، بل وحتى إنجازات، تلك الجهود المتناثرة التي يمكن تلمسها في هذا البلد أو ذاك، سوى تلك التي يبادر بها مواطن عادي، أو شخص في منصب مسؤول.

لكن تبقى المشاكل التي لا تزال تحول دون المرأة وإنسانيتها بحاجة لوقفة جادة من المجتمع البشري والمؤسسات التي أنشأها بما فيها تلك المتخصصة في الدفاع عن المرأة وحقوقها.

ومن ثمَّ فليس من المبالغة في شيء حين نقول إنَّ العالم، بحاجة لثورة شاملة تعيد الأمور إلى نصابها، وتعيد للمرأة حقوقها المسلوبة، التي تجعل منها مجرد إنسانة قبل أي شيء آخر.

مثل هذه الثورة، التي ليست بالضرورة أن تكون مسلحة أو عنيفة، فمسؤوليتها مخاطبة العقل، ومحاربة القيم التي تجرد المرأة من إنسانيتها، وتحرمها من حقها في أن تنتقل من كرسي المواطنة في درجتها العاشرة إلى إنسانة بالدرجة الأولى تحتل المقعد الذي يليق بهذه الصفة التي لم يعد من الإنسانية بمكان تجريدها منها.