فتيات البوتيك

جمال النوفلي

هل تعرفون ما هو البوتيك؟ بالطبع أغلب الفتيات يعرفن ماذا تعني كلمة بوتيك، لكن لا أحد من الرجال يعرف ما هو البوتيك، أو مُعظمنا لا يعرف، لقد سألتُ الكثيرَ من أصدقائي؛ فقالوا بأنهم لا يعرفونه.. عُمومًا البوتيك حسب ما عرَّفه موقع ويكيبيديا هو مَتجرٌ صَغيرٌ مُتخصِّص في بيع الموضة؛ مثل: الملابس، والمجوهرات، والأكسسوارات.

وأكثرَ من يرتاد هذه المحلات هن بكل تأكيد الفتيات، وأكثر ما يقتنينه من البوتيك هو العباءات السوداء، ويشترينها بأسعار باهظة جدًّا، تبدأ من السبعين ريالا فأعلى، بينما في الحقيقة يمكن أن تُشترى مثل هذه العباءات بعشرين ريالا أو خمسة عشر ريالا فقط من عند الخياطين العاديين.. فما هو السبب إذن؟

ما هو الشيء الذي يجعل العباءة في محل البوتيك تبلغ ثلاثة أضعاف سعرها في محلات الخياطة في الأسواق العادية؟

الجواب طبعا عند الاقتصاديين هو الفرق في القيمة المضافة، لكننا لا نريد أن نسمع إجابة علمية لهذه المسألة؛ لهذا سألت بعض الفتيات المهووسات بشراء العباءات من البوتيك: ما هو الفرق بين هذه العباءة التي تلبسينها وبين تلك التي تجدينها في سوق مطرح مثلا؟ فقُلن: إنهن كفتيات يعشقن الموضة كثيرا، ويهوين أن يظهرن زينتهن وأناقتهن للآخرين، كما أنه لا يوجد فرق بين عباءات البوتيك وعباءات الخياطين سوى أن الأولى موضة وعليها شعار المصممة مرصوص في مكان بارز، أما الثانية فإن الخياط الآسيوي التقليدي هو من يخيطها، ولا يضع عليها شعارا جذابا، ولا يبيعها في البوتيك.

والحق أن ما يحدث لدى الفتيات اليوم من الجري خلف هذه الموضة وتلك الماركة، هو أمر طبيعي لا يمكن لنا أن نعيبه عليهن؛ فالعباءة السَّوداء التي تم إدخالها على الثقافة العمانية في منتصف الثمانيات لم تُجعل أصلا من أجل الزينة والتباهي، وإنما هي جُلِبت من أجل ستر جسد النساء وزينتهن عن الرجال الغرباء، في مرحلةٍ كان العمانيون عائدين بأفكار متشددة من الخارج، إلا أنه وبسبب المدنية والانفتاح وانتشار التعليم بين النساء الصغار والكبار، أصبح معروفا لديهم اليوم أنَّ انتشار الوعي الإنساني ووجود القوانين العادلة والأنظمة الرادعة هو ما يحفظ الناس ويحفظ أجسادهم وحقوقهم؛ سواء كانوا نساء أو رجالا؛ لذلك لم تعد المرأة تعامل العباءة كرداء ساتر فحسب، وإنما أصبحت تستخدمها كزينة تتباهى بها أمام الآخرين وتلفت بها الأنظار والإعجاب. وهذا حقٌّ طبيعيٌّ وضرورة فطرية موجودة في الإنسان لا يمكننا استنكارها أو إلغاءها أو كبتها.

أمَّا من الناحية الاقتصادية، فإنَّ مثل هذه المشاريع الصغيرة هي مكسب للاقتصاد للوطني؛ فهي من ناحية تسمح للمرأة العمانية بالدخول في سوق الخياطة ومنافسة الخياطين الأجانب في أكثر الأعمال صعوبة ومهارة وفنا، بل وتفوقت عليهم في الجودة والنظافة والأناقة والابتكار المتجدد؛ الأمر الذي يساعد على تعمين الوظائف والمهن ورفع دخل الفرد في السلطنة. ومن ناحية أخرى، فإنَّ انتشارَ مثل هذه المؤسسات العمانية الصغيرة يُعطي استقرارا وانتعاشا لحركة المال؛ فالأموال التي كانت تذهب في التحويلات الخارجية جراء احتكار بعض الأجانب لها، أصبحت اليوم تدار من قبل العمانيين أنفسهم، وباقية في دائرة السوق المحلي، بل وجاذبة للأموال القادمة من الخارج لاقتناء المنتجات العمانية المحلية.

لهذا؛ أضمُّ صوتي إلى الأصوات التي تدعو للتفكير مليًّا في هذه المهن البسيطة التي قد يراها البعض مهنًا دُنيا وغير لائقة بالعُمانيين، أدعو إلى إعادة التفكير بها، وإعمال عقولنا في تجديدها عبر ما لدينا من تجارب وثقافة وتعليم لإخراجها بطريقة لا يمكن أن تُتصوَّر، طريقة مدهشة جدا ورائعة جدا، بشكل لَبِق وجذاب وأنيق يليق بالعماني الأنيق صاحب المشروع، ويليق بزبائنه الذين يحبون الأناقة والتميز، ويليق بالسوق العماني الذي يستحق أن يكون الأفضل والأرقى.