العمري مقلاتي: رياح التغيير في الجزائر "لا مفر منها".. والديمقراطية تقضي على "الدولة العميقة"

...
...
...
...

الرؤية- خاص

 

أكد الكاتب والصحفي الجزائري العمري مقلاتي أن رياح التغيير في الجزائر "لا مفر منها"، في إشارة إلى التظاهرات الحاشدة التي أطاحت بحكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قبل أيام.

وقال في حوار خاص إن تجربة الجزائر في انتقالها الديمقراطي ستكون أقرب إلى النموذج التونسي منها إلى ما حصل في ليبيا أو في مصر أو في سوريا، معربا عن قناعته في أن الانتقال الديمقراطي بالجزائر سيحقق النجاح المأمول.

وأقر مقلاتي بالتحدي الذي يواجه الجزائريين نحو تحولهم الديمقراطي، وهو "الدولة العميقة"، مشيرا إلى أن تجذير الديمقراطية والمحاسبة وتداول السلطة من شأنه أن يُضعف "الدولة العميقة". وأشار إلى أن الدولة العميقة في الجزائر هي "كل مؤسسة أو هيئة أو جماعة أو فرد تعمل بشكل مباشر أوغير مباشر على عرقلة مطالب الحراك الشعبي وعنفوانه السلمي الذي صدح به الشعب الجزائري من أجل القضاء على كل أشكال الفساد والمفسدين والتحرر والانعتاق نحو الارتقاء الديمقراطي والالتحاق بمصاف الدول الصاعدة".

وإلى نص الحوار..

 

**ما هي توقعاتكم لمآلات الأحداث المتسارعة في الجزائر لاسيما بعد الإطاحة ببوتفليقة؟

لا شك أن رياح التغيير في الجزائر أمر لا مفر منه ومن حق كل شعب أن يرى بلاده بحجم أحلامه وطموحاته وقوته، غير أن التغيير الهادئ المبني على الحوار والوعي والوطنية هو السبيل الوحيد والذي يتطلب نفسا وصبرا طويلا، ومن هذا المنطلق أعتقد ان هذا الحراك الشعبي السلمي والحضاري المبارك يندرج في سياق الثقافة المجتمعية الجديدة التي تشهدها الجزائر، وهذه الانتفاضة السلمية التي استفادت من إخفاقات الماضي والتي أدرك الشعب من خلالها أن السلاح الأقوى هو النضال السلمي والمسيرات والوقفات والإضرابات، فإنها حتما ستكون مآلاتها النجاح والتحول نحو نظام سياسي جديد أساسه الديمقراطية.

 

** هل بالفعل هناك "دولة عميقة" في الجزائر؟ وممن تتكون وما أهدافها؟

تختلف مصالح الدولة العميقة من بلد إلى أخر حسب نظام الحكم وكلما تجذرت الديمقراطية والمحاسبة والتداول على الحكم كلما ضعفت الدولة العميقة والعكس صحيح. زالدولة العميقة في الجزائر في هذه الحالة هي كل مؤسسة أو هيئة أو جماعة أو فرد تعمل بشكل مباشر أوغير مباشر على عرقلة مطالب الحراك الشعبي وعنفوانه السلمي الذي صدح به الشعب الجزائري من أجل القضاء على كل أشكال الفساد والمفسدين والتحرر والانعتاق نحو الارتقاء الديمقراطي والالتحاق بمصاف الدول الصاعدة.

 

 

** هل تعتقد بوجود صراع بين الثورة والجمهورية في الجزائر؟

أعتقد أننا نعيش في الجزائر لحظات تاريخية صعبة ونادرة والمتمحورة حول مطلب الإنتقال للجمهورية الثانية وضرورة التحول إليها سواء أكان ذلك عن فهم عميق لمعنى التحول والانتقال الجمهوري في الوعي واشتراطات التاريخ أو عن غير فهم أي فقط بتأثير من الحلم بحصول القطيعة مع الماضي المؤلم المأمولة من كل الأجيال. ورغم ما تشوب المرحلة من إرهاصات إلا أنني أعتقد أنه لا يوجد هناك صراع بين الأجيال؛ بين جيل الثورة الاستقلال، فقط هي مرحلة مخاض، وقد حان الأوان ليقوم جيل الثورة بتسليم المشعل للشباب.

 

** ما هي حاجة الجزائر لحسم هويتها والتصالح مع ثوابتها؟

قوة الأمة تستمد من ماضيها وتاريخها موازاة مع التطلع لآفاق العصر الحديث والتفاعل الجاد مع الواقع الذي يعطي للجزائر زخما اكبر ويرفع شأنها. ومن هذا المنطلق فلا خوف على الثوابت والهوية الجزائرية التي صانها بيان أول نوفمبر.

 

** كيف تقرأ مراحل التنازلات التي قدمها الرئيس بوتفليقة للشعب قبل استقالته؟

أرى أن التنازلات التي قدمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جاءت متأخرة كثيرا بعد ارتفاع سقف المطالب الشعبية والتي أدت في النهاية من إزاحته من المشهد وتقديم إستقالته بعد 20 سنة من الحكم.

 

** ما هي قراءتك لشخصية الرئيس بوتفليقة المناضل والوزير والرئيس؟

حظي بوتفليقة بشعبية كبيرة عندما وصل إلى سدة الحكم في الجزائر نظرا للدور الذي قام به في إعادة الاستقرار إلى البلاد بعد سنوات العشرية السوداء الدامية، إضافة إلى أنه واحد من الجيل الذي حارب الاستعمارالفرنسي؛ وهو الكفاح الذي استخدم للحصول على الشرعية في الجزائر أو ما يطلق على تسميته بـ"الشرعية الثورية". والرئيس بوتفليقة قدم العديد من الإنجازات أثناء فترة حكمه التي امتدت لعشرين عاما رغم ما شابها من معوقات ونقائص علاوة على عقود أخرى أمضاها في خدمة بلاده في مواقع  متعددة ابتداءً من ثورة التحرير مرورا بشغله منصب وزير الخارجية كأصغر وزير جزائري آنذاك حتى استلامه السلطة. ورغم ما للرجل من رصيد ثوري وسياسي إلا أنه  سار في نفس النهج الذي انتهجه معظم رؤساء الدول العربية الذين لم يسمعوا لنداء وتطلعات شعوبهم، كما يحسب ضمن قائمة عيوب الرجل نزعته للانفراد بالسلطة والتي مكنته من البقاء في الحكم بطريقة مريحة، لكن تهب رياح التغيير بما لا تشتهيه فنون السياسة ليخرج في نهاية المطاف من الباب الضيق، راضخا لقرار الشعب والمؤسسة العسكرية بعد 6 جمعات متتالية من الحراك الشعبي.

 

** هل تصالح بوتفليقة مع عهد بومدين؟ أم كان بمثابة سادات الجزائر في تصفية عهد وآثار عبدالناصر؟

كان بومدين رجل دولة حقا كما وصفه أعداؤه وأصدقاؤه وكان يمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى للواقع الوطني والاقليمي العربي والعالمي برمته؛ إذ لا يمكن أبدا أن أقارن بين بومدين ورؤساء الجزائر، لا مجال أبدا للمقارنة، لأنه الأفضل دوما، وستبقى مآثره خالدة في وجدان أبناء الأمة الجزائرية بأسرهم يترحمون على عصر ذلك الرجل الذي قهر الظلم بالعدل والاستعمار بالتحرر والفقر بالتنمية. أما فيما يتعلق بالرئيس المستقيل بوتفليقة فإنه ما فتِئ يدجن الحياة السياسية الجزائرية وأصابها بالتصحر والشلل التام وأفرغها من مضمونها، وبالفعل فقد تمكن من تحطيم التعددية الحزبية وتحويلها لفقاعات وإلى مجرد ديكور مناسبات شكلية لا طعم لها أبدا. والواقع أن بوتفليقة لم يتصالح مع العهدة البومدينية ويتجلى ذلك بوضوح في تصفية أبعادها الفكرية والعملية ومنطلقاتها الثورية والقومية والإنسانية.

 

 

** هل تعتقد بنجاح الجزائريين في تسطير ربيع وطني خاص بهم وقطعهم لدابر التدخلات الخارجية؟

إن تغليب لغة العقل والحكمة يستوجب علينا دراسة جميع الخيارات المحتملة وتدارسها بنوع من التمعن والجدية، والتقليد المستمر لنفس الثقافة هو الخطر الأكبر ليس على أصحابها بل وعلى الوطن. ولهذا لا بد من تغيير الثقافة السائدة ليتسنى للجماهير تحقيق نموذج الربيع العربي  الحقيقي والمشرق الذي تتطلع له شعوب المنطقة بعيدا عن ربيع الدم والدمار الذي شهدته عدد من دول المنطقة العربية والذي كان وبالا على شعوبها. الشعب الجزائري اليوم يعيش درجة وعي كبيرة وغير مسبوقة، والفرق اليوم هو أن الناس باتوا أكثر وعيا لحقوقهم. وتتجلى بذلك الصورة واضحة من خلال مظاهر وعي الحراك الجزائري الذي لم يروج لفكرة الفوضى أو الانفصال، فشاهدنا مثلا الأمازيغ يخرجون ملتفين بأعلامهم المميزة حاملين أعلام الجزائر إلى التظاهرات رافعين المطالب نفسها التي ينادي بها بقية المواطنين. حتى أصحاب المذاهب الدينية تركوا خلافاتهم جانبا وخرجوا في مسيرة واحدة رافعين المطالب الوطنية ذاتها. وهذا ما يؤكد الحرص الشديد على اللحمة الوطنية والوعي الجماعي بمدى حساسية المرحلة التي حتما تتطلب المزيد من اليقضة نظرا لما يحاك من مؤامرات وثورات مضادة من طرف مصالح استعمارية لدول كبرى ترى في استقامة حالة الشعب الجزائري وتوحده تهديدا استراتيجيا لمصالحهم الحيوية فيها وخطرا وجوديا على الكيان الضامن لها وهو الكيان الصهيوني.

 

 

** من هي الشخصيات التوافقية التي تناسب المرحلة الحالية والمراحل المقبلة؟

كان شعار دولة لا تزول بزوال الرجال من أهم الشعارات التي حفظناها من عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، ومن بعده الشاذلي بن جديد. ولا تزال الجزائر ولادة للرجال ويوجد هناك الكثير من النخب النظيفة والشخصيات الوطنية النزيهة والمعروفة والتي يمكنها تسيير دفة الحكم وقيادة البلاد خلال مرحلة انتقالية تكون بداية إرساء جزائر ديمقراطية جوهرها الإرادة الشعبية.

 

** هل تصبح الجزائر ملهمة للعرب في حراكها السلمي نحو التغيير بإرادة وطنية خالصة ومسؤولة؟

تجربة الجزائر في انتقالها الديمقراطي في اعتقادي ستكون أقرب إلى النموذج التونسي منها إلى ما حصل في ليبيا أو في مصر أو في سوريا وسوف تنجح في انتقالها الديمقراطي. وأعتقد أن هذا الشعب الذي استخلص مختلف الدروس مستفيدا من تجربته الطويلة والمريرة في مقاومة الاستعمار وفي مقاومة الإرهاب، ومستفيدا أيضا من تجارب الشعوب التي سبقته وخاصة الشعب التونسي الذي نجح في رسم معالم الديمقراطية الحقيقية رغم التشكيك والتخويف من تحقيق تجربة ديمقراطية ناجحة نسبيا. وسيتخطى الجزائريون كل الصعاب وسيشقون طريقهم نحو التأسيس لدولة القانون التي ينشدها الجميع، والتي مصدرها سلطة الشعب لتكون بذلك الثورة النموذجية والتي حتما ستلهم الجماهير العربية للإقتداء بها والسير على نهجها.

تعليق عبر الفيس بوك