ومضات فكريّة من كتابات حاتم الطائي (59)

 

(1)     نظام عالمي جديد يستلهم الشعبويّة:
إننا فيما يبدو على وشك رؤية نظام عالمي جديد يتشكَّل، نظام يستلهم الشعبوية والنزعة القومية المتطرفة والتفوق العرقي لشعوب على أخرى، والتي دمرت أوروبا في القرن العشرين بعدما أشعلت حربًا عالمية دمرت دولاً بالكامل وقتلت الملايين من البشر.

(2)     أوربا بين مطرقة الدب الروسي والسندان الأمريكي:
أؤمن تمامًا بأنَّ البريطانيين ينفذون حرفيًا- دون إدراك لذلك- ما يُريده الرئيس الأمريكي الشعبوي دونالد ترامب، هو يُريد دولاً أوروبية منفردة وضعيفة، ومُنقسمة على نفسها، لا تكتلا قويا يجمع أكبر اقتصادات العالم، ويمكنهم من الاتفاق على أي قرار يدعم مصالحهم في وجه أي تحرك للولايات المتحدة - التي لا تزال القوى العظمى في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. أمريكا ترامب ترغب في تعزيز النظام أحادي القطب، القائم على رغبات ساكن البيت الأبيض في واشنطن، فما من سبيل إلى ذلك سوى إضعاف الاتحاد الأوروبي. ومن المدهش أيضًا أن يكون البريطانيون بخطتهم التي تفضي إلى خروجهم من أوروبا، يدعمون وجهة نظر الدب الروسي، رغم أنَّه يمثل لهم خطرا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كبيرا، لكنهم بـ"البريكست" سيُعززون موقف روسيا التي لا تُريد أي تكتل اقتصادي في القارة الأوروبية، بما يُعزز من قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

(3)     "البريكست" وعودة اليمين المتطرف:
قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف بـ"البريكست"، وهو القرار المُستند إلى مفاهيم شعبوية تستهدف في الأساس إشعال جذوة النزعة القومية لدى الشعوب بصورة متطرفة تفضي إلى عودة الأفكار العنصرية اليمينية، وتستفيد من عدم إدراك الدهماء لحقيقة ومنطقية القرارات السياسية أو الاقتصادية التي تتخذها الحكومات.

(4)    الديموقراطية تحتضر في بريطانيا:
لماذا تُقرر الأغلبية من أمة ما أن تُسيئ استخدام الديمقراطية وأن تقوض هذه الوسيلة الإنسانية المُتحضرة؟ ونفس هذه الديمقراطية الآن هي التي تفشل في إبرام اتفاق بين الفرقاء المُختلفين على آلية الخروج من الاتحاد الأوربي وتكلفتها، والتي تصل إلى قيام بريطانيا بدفع ما يزيد عن 40 مليار يورو للأوروبيين، فضلاً عن الخسائر الباهظة التي ستتعرض لها المملكة المُتحدة من هكذا إجراء، نتيجة لعدم قُدرتها على تسويق صادرات مُنتجاتها إلى الأسواق الأوروبية، وفي حال نجحت في توقيع اتفاقيات تبادل تجاري مع بعض هذه الدول- وهذا أمر قد يطول وقت إنجازه- فإنِّها ستُواجه عراقيل جمركية ترفع من سعر المُنتج بما يضر بحجم الصادرات ويُقلص رغبة هذه الأسواق- أو على الأقل قُدرتها- على شراء مُنتجات بريطانية.

(5)    الخسائر المباشرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي:
 
(أ‌)    في المقام الأول سيتباطأ النمو الاقتصادي لمُستويات دُنيا ربما تصل به إلى الانكماش ومن ثمَّ التراجع المُستمر، ودليل ذلك أنَّ حكومة بريطانيا نفسها خفضت توقعاتها للنمو المتوقع في 2019 إلى 1.2% بدلاً من توقعات صدرت في الربع الأخير من العام الماضي بتحقيق 1.6% نموا.

(ب‌)    تراجع في الاستثمارات وهبوط في قيمة العملة بمعدلات كبيرة وتصنيف ائتماني سلبي، ما دفع بعض المُراقبين للتحذير من أنَّ بريطانيا ستفقد ترتيبها كخامس أقوى اقتصاد في العالم لتكون في المركز السابع.

(ت‌)    مليارات الجنيهات الإسترلينية ستلوذ بالفرار من بريطانيا وتتجه إلى اقتصادات أكثر أماناً، ونزوح أموال طائلة أيضًا خارج النظام المالي البريطاني، حيث أفادت تقارير أنَّ نحو تريليون دولار أمريكي خرجت من القطاع المالي البريطاني، وهو أهم قطاع مالي في العالم، فبريطانيا وهي أهم لاعب في المنظومة المالية العالمية، وأقوى الأنظمة المالية في العالم خرجت من حي المال الشهير في لندن.

(ث‌)    آلاف الوظائف سيخسرها البريطانيون أنفسهم مع هجرة الشركات وإغلاق الكثير منها، وعشرات الآلاف من الأوروبيين العاملين في بريطانيا سيجدون أنفسهم في مأزق صعب، والعكس أيضاً فالآلاف من الموظفين البريطانيين العاملين في أوروبا سيواجهون مصاعب غير مسبوقة فيما يتعلق بالإقامة وتحويل الأموال، إلى جانب تضرر وانهيار قطاعات إنتاجية رائدة مثل قطاعي السيارات والطيران.

(ج‌)     حجم الخسائر التي تتكبدها بريطانيا منذ بدء إجراءات الخروج، ويكشف بنك جولدمان ساكس حجم هذه الخسائر التي تصل إلى 600 مليون جنيه إسترليني أسبوعياً، أي أنَّ بريطانيا تخسر كل شهر مليارين و400 مليون إسترليني، وسنوياً 28.8 مليار إسترليني، إنِّه السيناريو المُرعب الذي ينتظر بريطانيا!!

(ح‌)     ومن الناحية السياسية انقسام عنيف في المُجتمع البريطاني، وما آلت إليه الأمور الآن من فشل البرلمان البريطاني في التوصل إلى اتفاق مرضٍ للخروج، قد دفع ناخبين إلى عض أصابع الندم على تصويتهم لصالح الخروج
 
(خ‌)     بدأت ترتفع أصوات- حتى من داخل النُخبة السياسية- بالاستفتاء مرة أخرى على قرار "البريكست"، لكن من المُؤكد أنّ إجراء مثل ذلك سيكون بمثابة وأد للنظام الانتخابي في بريطانيا، والقضاء على أي مصداقية تصويتية في المُستقبل، وربما يُنذر ذلك بانهيار النظام الديمقراطي برمته.
 
(د‌)    الحكومة البريطانية الحالية التي يُسيطر عليها حزب المُحافظين بدعم من الحزب الوحدوي الآيرلندي، عرضة للسقوط، سواء من خلال الإطاحة بتيريزا ماي أو المُبادرة باستقالتها هي، أيهما أقرب.

 

تعليق عبر الفيس بوك