احتجاج اليائسين سياسيًّا

غسان الشهابي

إذْ كثُرَت إخفاقات السياسِيين وفضائحهم، وتَتَالى نزولُهم من الأبراج العاجية التي كانت تصوِّرهم في الماضي على أنهم حاملو لواء الأمة، والمنافِحون عن شرفها، وأنهم عُصارة العصارة من أبنائها، وخلاصة الخلاصة من رجالاتها، وصفوة الصفوة من تاريخها السياسي، فإنَّ حالة من اليأس قد خلّفها هؤلاء إما بقصصهم المزرية، وإما بسلسلة فشلهم الذريع الذي لم يُبقِ لهم مجالاً لينظر إليهم الناس بشيء من الإكبار والإعجاب.

لقد تصالحتْ الجماهير في دول كثيرة مع نفسها، ومع قياداتها، وأنزلتها منزلة البشر الذي يقولون ما لا يفعلون، بل ويفعلون عكس ما يقولون، ويجوز عليهم أن يخطئوا ويصيبوا، وأن يحبوا ويبغضوا، وأن تنتهي صلاحيتهم وقدرتهم على التجدد والتجديد، على الرغم من أن قياداتها في أحيان ترى نفسها عكس ذلك، إلا أن دوران العجلة السياسية لا يدع مجالاً لها لكي تبقى متمسكة بمناصبها بعد أن يدق الجرس إيذاناً بانتهاء الوقت.

في عدد من الدول، شرقاً وغرباً، بلغ بالجماهير اليأس إلى درجة أنهم يتجاوزون الواقع المتزمت، بالخروج عليه كما فعلت جماهير إيطاليا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين حينما انتخبت نجمة الإغراء إيلونا ستالر، لتصبح عضو برلمان في 1987. وفي 2003 ينتخب الكاليفورنيون الممثل الأمريكي -النمساوي الأصل- أرنولد شوارزينجر ليكون حاكماً للولاية لفترتين. كما يتقدم اليوم الممثل والفكاهي فلاديمير زيلينسكي في السباق الرئاسي في بلاده أوكرانيا، إذ حقق في الجولة الأولى من الانتخابات 31% من أصوات الناخبين، أي يحوز هو وحده نسبة أصوات أكثر من تلك التي حازها في الجولة الأولى نفسها الرئيس الحالي لأوكرانيا بترو بوروشينكو (16%)، ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو (13%)، وذلك في بلد بارد طقساً، ساخن حد الالتهاب في التشاد ما بين روسيا والولايات المتحدة، والطرفان يعتبرانها بوابة النصر أو الانكسار في هذا التسابق فيما بينهما.

لم تفقد الجماهير الأوكرانية صوابها لاختيارها ممثل دأب على تقديم شخصية هزلية باسم "خادم الشعب"، متناسية أنه بلا خبرة سياسية، وستضع البلاد بين يديه لفترة من الزمان، لسطوة الصورة الإعلامية لهؤلاء "النجوم" الذي يظهرون في أشكال وأفعال أجمل بكثير مما يفعله السياسيون، وهو احتجاج مضمر يتمثل مرّة في النكوص عن صناديق الاقتراع، ومرّة في الخروج على أنماط السياسيين التقليديين.

تعليق عبر الفيس بوك